تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سقوط الأقنعة وبوادر الانهيار الأميركي

الفايننشيال تايمز
دراسات
الاحد 18/9/2005
بقلم : ميشيل ليند - ترجمة : ليندا سكوتي

استذكر صاموئيل هنتنغتون (صاحب كتاب صدام الحضارات) ما قاله الصحفي الأميركي والتر ليبمان في عام 1943 إن السياسة الخارجية الأميركية تقوم على التوازن بين الالتزامات الوطنية وما تتطلبه من تفوق كاف في القوة.

إلا أن المؤرخ بول كيندي رأى في تلك المقولة ترسيخاً وتوسعاً لمفهوم الإمبريالية.‏‏

في مطلع عام 2001 وخلال الفترة الواقعة بين تولي جورج بوش السلطة وأحداث /11/ أيلول, رأت إدارة الطوارئ الفيدرالية ضرورة وضع استراتيجية لمجابهة ما يمكن أن تتعرض له الولايات المتحدة من مخاطر تتمثل في الآتي:‏‏

- هجوم إرهابي على مدينة نيويورك.‏‏

- فيضان إعصار نيو اورليانز.‏‏

- زلزال يصيب سان فرانسيسكو.‏‏

لكن تلك التحذيرات لم تلق أذاناً صاغية لدى إدارة بوش التي وضعت في سلم أولوياتها معالجة الوضع في العراق, ويبدو أن الأمور لم تسر وفقاً لآراء الإدارة الأميركية, إذ فوجىء الأميركيون بالحدث الجلل الذي أصاب الولايات المتحدة بتاريخ 11/,9 عندما ضربت عاصفة الطائرات مركز التجارة العالمي والبنتاغون, دون أن يتمكن من ردعها حيث بررت القيادة الأميركية أسباب عدم قدرتها على معالجة الأمر قبل وقوعه بحدوث مشكلات في الاتصالات فضلاً عن التخطيط السيىء الذي حال دون توقع الحدث الذي أعد له منذ زمن طويل.‏‏

وبدلاً من أن تقوم الولايات المتحدة بمعالجة الأسباب والنتائج لما حصل في شهر أيلول ,2001 أخذت تلقي باللوم على العراق والحكومة العراقية لتحول أنظار المجتمع الأميركي عما ألم به من خطب.‏‏

يعتقد الكثير من الأميركيين أن إحجام القيادة الأميركية عن إرسال قوات لمحاربة منظمة القاعدة ومسانديها في أفغانستان والتي أدت من حيث النتيجة إلى استهداف الولايات المتحدة في عقر دارها كان بسبب انصراف تفكير البيت الأبيض بإعطاء الأولوية للحرب على العراق وإيجاد المبررات لها.‏‏

في الوقت الذي كان جل اهتمامات الولايات المتحدة ينحصر بالمعضلة العراقية كانت سدود بونتشارترين في نيو اورليانز تتأثر بعوامل الحت وتنذر بالانهيار دون أن تسارع الحكومة الأميركية إلى اتخاذ السبل اللازمة لمعالجة ما قد تتعرض له المنطقة من كوارث, بل إنها لجأت إلى تخفيض الاعتمادات المخصصة لصيانة السدود في جنوب شرق لوزيانا إلى النصف والاعتمادات المالية المخصصة للعمل في بحيرة بونتشارترين إلى ثلثي المبلغ المخصص.‏‏

وعمدت إدارة الطوارئ الفيدرالية منذ عام 2003 إلى تخفيض الإنفاق بالأمور المتعلقة بمنع الفيضانات المحتملة ومعالجة آثارها وذلك بهدف تأمين الاعتمادات المالية للجيش الأميركي المرابط بالعراق.‏‏

في مطلع هذا العام طلب المهندسون المختصون مبلغ 27 مليون دولار لإصلاح السدود تحسباً لآثار الأعاصير المتوقعة, لكن إدارة بوش خفضت هذا المبلغ إلى 3.9 ملايين دولار وخفضت أيضاً الطلب الخاص بتخصيص اعتمادات مالية لمنع الفيضانات من 78 مليون دولار إلى 30 مليون دولار, وبعد هذا الحوار المستفيض في الكونغرس تم اعتماد مبلغ 5.7 ملايين دولار لإصلاح السدود و36.5 مليون دولار لدرء أخطار الفيضانات.‏‏

أشارت جريدة نيو اورليانز تايمز عدة مرات إلى أن الحرب العراقية تستنفد الكثير من الأموال الأميركية المخصصة لدرء أخطار الأعاصير المتوقعة على ساحل الخليج.‏‏

في هذه الأثناء ازدادت المقاومة للاحتلال في العراق فضلاً عما يلقاه الجيش الأميركي من مقاومة في أفغانستان أيضاً, استتبعت إنفاق مبالغ كبيرة على تلك الجيوش, إضافة إلى حرمان أميركا من قواتها الموكل إليها العمل في ما وراء البحار حيث لم تستطع مجابهة الكارثة حينما ضرب إعصار كاترينا الشواطئ الأميركية, الأمر الذي أضعف قدرة أميركا عن إغاثة المنكوبين.‏‏

إن إرسال الجنود الأميركيين خارج الولايات المتحدة أضعف أيضاً قدرتها على منع تسلل المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك إلى الولايات المتحدة والذين يقدر عددهم بنصف مليون مهاجر سنوياً, ما يزيد تفاقم أزمة الهجرة غير المشروعة الوافدة عن طريق المكسيك والتي قد تضم أعداداً من الإرهابيين الذين من المحتمل أن يقوموا بأعمال تضر بأمن الولايات المتحدة, وقد أخبر محمد جنايد بابار المحققين في أميركا أن هناك خطة لدخول إرهابيين إلى الولايات المتحدة عن طريق المكسيك.‏‏

وفي 17 كانون الأول صادق بوش على مشروع إصلاح الاستخبارات الأميركية وتطويرها بالعمل على تحسين أداء العاملين فيها.‏‏

تعمد الولايات المتحدة إلى تخفيض الإنفاق على حدودها مع المكسيك وكل ذلك بهدف سد النفقات التي تترتب عليها جراء حروبها في العراق وأفغانستان, واستمرار احتلالها للبلدين ما يحول دون مراقبتها الحدود بشكل فعال, الأمر الذي دعا حكام اريزونا ونيو مكسيكو إلى طلب اتخاذ السبل اللازمة لمنع الهجرة غير المشروعة الوافدة عن طريق المكسيك بالعمل على إعداد 10000 فرد على الأقل لحماية الحدود ومنع المتسللين.‏‏

إن ما حصل من كارثة رهيبة أودت بحياة الكثير من المهاجرين غير الشرعيين وبعضهم من الإرهابيين الذين يسيئون للأمن القومي الأميركي, والفوضى القائمة في أفغانستان والعراق, كلها تؤكد فشل السياسة الأميركية وعلى رأسها بوش ومن لف لفه من المحافظين الجدد.‏‏

لقد حدد المحافظون الجدد استراتيجيتهم بالسيطرة على العالم ودول الشرق الأوسط عبر حرب صليبية يخوضونها مع حلفائهم, الأمر الذي يبرز الحاجة لأموال إضافية ويتطلب زيادة في الضرائب, لكن الواقع فرض على إدارة بوش وبالتعاون مع المحافظين والليبراليين تخفيض الضرائب وذلك ما يتعارض مع الأهداف الرامية إلى التوسع في سيطرة الولايات المتحدة الذي يتطلب مزيداً من الإنفاق.‏‏

ونستطرد لنقول:‏‏

لو أن الولايات المتحدة قد سعت في مطلع 2001 إلى القضاء على القاعدة في أفغانستان, ووضعت كل جهد في هذا الاتجاه, بدلاً من تركيزها على العراق لاستطاعت الانصراف لحماية البلاد مما تعرض له مركز التجارة الدولي ووزارة الدفاع الأميركية, ولو أن الولايات المتحدة لم ترسل قواتها إلى دولتين واكتفت بحربها في أفغانستان واستأخرت معالجة مشكلاتها مع العراق لظروف أخرى لتمكنت من احتواء نظام صدام في العراق, ولو أن بوش لم يخض الحرب على العراق وانصرف لحماية الحدود مع المكسيك لوفر على الولايات المتحدة وجود ملايين من المهاجرين غير الشرعيين الذين يكلفونها بلايين الدولارات ويسيئون لأمنها القومي.‏‏

لو أن بوش لم يرسل القوات الأميركية إلى العراق لتمكنت تلك القوات من القيام بأعمال الإغاثة لمنكوبي إعصار كاترينا الذي تسبب بالفيضانات.‏‏

ولولا الحرب العراقية لتمكنت الحكومة الأميركية من تحويل جزء من النفقات التي تنفقها في العراق لمعالجة مشكلات السدود وآثار الإعصار التي أودت بحياة الكثير من الأميركيين.‏‏

لقد توقع المحافظون الجدد سقوط الأقنعة عن حكومات الشرق الأوسط, لكن ما حصل هو عكس ما توقعوه إذ سقطت الأقنعة عن وجوههم هم.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية