تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أعْلى مِنَ الثُّرَيّا

ثقافة
الأحد 6-12-2015
هادي دانيال

كأنّني وَرَقَةٌ خَضْراءُ مُنذُ أرْبَعِينَ سَنَةً

قَدْ غادَرَتْ غصْناً مِنَ الشَّجَرَةِ الخالِدَةِ‏

حامِلَةً في حُلْمِها الجُّذُورَ والتُّرْبَةَ والهَواءَ‏

تَنْبُضُ في تَرْحالِها وحلَّها‏

مااسْتَبْدَلَتْ غصْناً بِغِصْنِها‏

ولا تَمَكَّنَتْ رياحُ الغَرْبِ والغُرْبانِ مِن يَخْضُورِها‏

وَرَقَةٌ خَضْراءْ‏

خُضْرَتُها مِن نَجْمَتَيِّ رايَةٍ فاضَتْ عَنِ السَّماءْ‏

في الصيفِ والربيعِ والخريفِ والشتاءْ‏

أنْدى وَحِيداً كُلَّ فَجْرٍ هاتِفاً : سُوريّا‏

كأنَّنِي غَدَرْتُ بِي يَوْمَ رَحَلْتُ عَنْكِ يابِلادِي‏

لكنّني عادَرْتُ حامِلاً مِن أجْلِ جزْءٍ مِنْكِ ياحبيبتي -‏

تذكِرَةَ اسْتِشْهادي‏

وَشاءَتِ الأقدارُ أنَّنِي بقيتُ حَيّا‏

بَيْنِي وَبَيْنَكِ الجِّبالُ والبِحارُ ياسُوريّا‏

تَحْملِني الأنهارُ تارَةً كَقَشَّةٍ مُهْمَلَةٍ‏

وتارَةً يُعْصَفُ بي‏

كأنّنِي مُبَشِّرٌ بالعَصْفِ أوْ نَبِي‏

وتارَةً يَزْهُو بِيَ النَّسيمُ‏

وَكَمْ وَكَم ياوَطَني حَفَّتْ بِيَ النِّيرانُ واسْتَفْرَدَتِ الذُّؤبانُ بِي‏

وَما أنا هِرَقْلَ أو عَنْتَرة العبسيّ ياأبيِ‏

لكنِّني إذا سَقَطْتُ دائماً أقُومُ ، وَماشَعَرْتُ لَحْظَةً بأنَّني يَتيمُ‏

فكُلَّما ضاقَتْ بِيَ الدُّنيا‏

وَقَبْلَ أن يَفيضَ الدَّمْعُ عن عَيْنَيَّا‏

أفْرَدَتِ الرُّوحُ جَناحَيْها‏

إلى سُوريّا‏

ياشامُ ياأيْقونَة الإنسانِ ياحَنينَهُ إلى ابْتِسامَةِ الحياةِ‏

هذا العَذابُ عابِرٌ‏

عُبُورَ قطعانِ الذّئابِ في الفلاةِ‏

بل مثلما يعبرُ ظلٌّ الغَيْمةِ السَّوداءِ في المِرآةِ‏

وأنتِ ياجَوْهَرَةَ الكَونِ وإسّهُ‏

مَحْرُوسَةٌ بَقَدَرٍ قُوَّتُهُ لاشَعْرُ شَمْشُونَ / لا كَعْبُ آخِيلَ الذي يُمكِنُ أن نَجسَّهُ‏

لكنّهُ مُجَسَّدٌ بِجَيْشٍنا الطّالِعِ كالبُركانِ مِن ضُلُوعِنا /كَطائرِ الفينيقِ مِن رَمادِنا‏

- قُدِّسَ سرُّهُ الذي نجهَلُه -‏

لأنَّهُ مِن ذَهَبٍ مِنْجَمهُ يَلْمَعُ في الثُّرَيّا‏

لكنّنا نُحِسُّهُ‏

لأنّنا مِن طِينِكِ الخَصيبِ والمَهيبِ ياسُوريّا‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية