|
الافتتاحية بل في أغلب الأحيان تعيد تشييد مشهد مختلف ومغاير لكثير من الحسابات والمعادلات التي كانت تحكم سياسات وممارسات إقليمية ودولية تبدو جميعها تتصارع داخل مركب تتقاذفه أمواج السياسة المتبدلة وأعاصير الميدان المحسومة. بين حديث كيري وفابيوس عن تداعي الخطوط الحُمر المرسومة، والتي تلعق في أغلب الأحيان الكثير من أحاديث وكلمات تفوّهت بها ألسنتهما مع غيرهما من ساسة الغرب عن سورية ومستقبلها السياسي وصولاً إلى الحديث مراراً وتكراراً باسم الشعب السوري ومن دون تفويض، بين الحديثين لا تبدو المسافة الفاصلة زمنياً لو كانت مجرد ساعات كافية لفهم أبعاد وخطوط التقاطع بين الموقفين إلا في سياق أنها انعطافة مشتركة، حكمت بها التطورات الأخيرة، لكنها تبقى دون مستوى الاستدارة بالمعنى السياسي، بحكم نهج النفاق والمراوغة وبدلالة التغوّل الإقليمي والغربي في محاكاة الوَهْم. على أن ذلك لا يبدو حكماً مبرماً لا تشوبه بعض الاستثناءات التي تفسّر في أحيان كثيرة ذلك الخلط المتعمّد في قراءة المفردات التي ينتقيها أصحاب الخطاب الغربي للمداورة السياسية والتلاعب بحبال الكذب ليكون على مقاس التمنيات، لكنه قد يكون بداية لكرة الثلج التي تتحضّر منذ وقت طويل للتدحرج على بساط من المواقف المتناقضة التي جعلت الكثير من المواقف الإقليمية تبحث عن تموضع يضمن لها مقعداً في قافلة لم تعبأ يوماً بأصواتهم المبحوحة. فالأمر لا يرتبط بحديث لكيري أو تصريح لاحق لفابيوس، بقدر ما يتعلق بسياسة غربية وصلت إلى الحائط المسدود، وسجلت على أبوابها المقفلة تراجيديا الخيبة السياسية والعجز والفشل في الأجندات التي أوكلت إدارتها أو تنفيذها لأدوات عاجزة وفاشلة، وتتقاطع مع حماقة إقليمية تتصدَّرها تركيا وحالة من التطرّف لم يعد من الممكن السكوت عنها تقودها السعودية، توازيها على المنوال ذاته فضيحة مال الإرهاب القطَري القادم على أجنحة الفدية لـ«جبهة النصرة» مع بطاقة شكر ..!! موسم التدحرج ليس ما نلمسه، ولا هو ناتج عمّا نراه يتحرك في سياق الرغبة الغربية غير المعلنة بالمراجعة الكاملة لاستراتيجية عقيمة، ولا في تعديل حدود ومساحات التورّط الإقليمي والدولي والعجز عن تقديم مقاربة تكون عوناً له في مأزق يزداد حضوراً، بل في الحصيلة.. الـمُرّة لسنوات من اللغو في فراغات السياسة العالمية، وترجمة لإفلاس العشرات من المحاولات اليائسة والمستميتة ومن دون توقف للنفخ في قربة مثقوبة. غير أن المعضلة ليست في جبل يذوب جليده، كاشفاً عن كل عيوبه، ولا في قاع تتذيّله تراكمات الأخطاء القاتلة لأدوات تورّمت في أدوارها، واستطالت إلى حدّ المرض في تجاوزاتها وحماقتها، فباتت كل منها أزمة بحدّ ذاتها، ولا تقتصر على كرة ثلج تتدحرج يميناً وشمالاً وهي تجمع فتات ما تناثر، بل في تلك الاصطفافات التي تعيد تموضعها بأخطائها، وما تحمله في طياتها من بقايا أحلام متورّمة ومريضة تريد أن تنشرها في فضاء المشهد الدولي، وتعوّل على إعادة إنتاج الأدوات ذاتها والمرتزقة أنفسهم، سواء كان بلبوس جديد.. أم عبر تغيير القبّعات بألوانها المتبدلة. فأميركا التي تمنّ على العالم بقبولها أن تتوحد القوى السورية على الأرض، وفرنسا التي تعبت من مصارعة طواحين الهواء، ومعهما بريطانيا التي تستصعب الأمر وتقبله على مضض، يتشاطرون المركب ذاته، ولو تباينت المواقع داخله أو اختلفت، ويصطدمون بجبل الجليد ذاته، رغم أن كلاً منهم يتلقى الصدمة ومفاعيلها بطريقته وأسلوبه، بينما أدواتهم الإقليمية تتصارع مع أوهامها وأضغاث أحلامها، وتورّماتها المريضة واستطالاتها الـمُزمنة، حيث قشّة الغريق تتقاذفها الكرة المتدحرجة إلى القاع ذاته. الفارق أن رأس الحربة في مواقف الغرب حين تتدحرج تتشظّى حولها نتف المواقف المرتجلة وتتبعثر رقعة الخطوط الحُمر والخُضر والصُفر، وتكاد تتلاشى تراكمات سنوات من الثرثرة السياسية واللغو الدعائي البائد.. وتتناثر أوراق وملفات .. وتندثر وعود والتزامات وعهود.. وتتصدّع تحالفات وأحلاف ومحاور.. وتُمحى من قاموس السياسة مصطلحات، وتُغلق مفردات الدبلوماسية صفحات من المحاججة العبثية.. والأهم أنها تدشّن رحلة التبرُّؤ الغربي من الأدوات الإقليمية سواء كان لحماقتها أم لانتهاء صلاحية استخدامها أو لتورّمها الـمَرضي والـمُعدي..!! |
|