|
ثقافة حكايا الخريف مع الكتاب والشعراء والمبدعين، لا حصر لها، ولا لون، ومع كل ما فيه من متناقضات الحياة يبقى الفصل الاكثر اثارة لآلاف الاسئلة، التي تناثرت حناياها هنا وهناك، اعتدال رافع الكاتبة والشاعرة المضمخة بعبق الحرف، ليست على مايرام يخونها الجسد وتتصاعد الآهات، وترتفع نبرات الحنين الى زمن كان،
والتوق الى ما وراء السراب الذي ننتظره، كيف تكون مبدعا ولا تحاصر موتك القادم امام عينيك؟ كيف تكون شاعرا ولاتعرف ان الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لاجدال فيها بهذا الكون؟ ومع ذلك تبلل ريشة ابداعك من جناحيه وترسمه حلما تصالحه حينا، وتخاتله احيانا اخرى، ترفرف كلماتك المسافرة على جناح الذكرى، وتعلن للملأ ان الموت فان امام حروفي، فأنا الحياة الابدية، كلانا والموت سرمديان، لا نهاية لنا، وسيشكو الخلود المر ابقانا، الم يقل ذلك بدوي الجبل ؟ ومن قبله كان المتنبي يرى سيف الدولة في جفن الردى، والردى نائم ؟ ترى اعتدال وهي تعاني مكابدات الالم المزهر ابداع القاهر جسدا، كيف تقرأ هذا الذي يحاول الفتك بالجسد منذ ربع قرن ونيف، وما جعبتها من ورود تلقيها خلايا الجسد لعلها تؤخر موسم الرحيل قليلا؟ لا اعرف كيف يستجمع المبدع القوى، ويغرف من بوابة الصبر محتملا آلاما ذات يوم حاجج فيها سعد الله ونوس قوى غيبية، وكانت آخر روائعه, وكيف كان بدر شاكر السياب على فراش المرض هناك قرب موجات الخليج وصخب الحياة، اما امل دنقل، وكثيرون حملوا زهر الحياة ذابلا بعد ان اغتاله المرض الخبيث متسللا..
اعتدال رافع في موكب الصابرين القابضين على جمر من نار، تعاند الرحيل تمسك بالحياة لانها بنت الحياة، وحقل من حقولها، وأرزة شامخة بالعطاء والابداع حيث يستطيع لكنها تقدم له وردا يانعا من زهر الدم المخضب بالحرف. لم التقها يوما ما ابدا، لكنني التقيت كبرياءها وهي تبحر في خضم الالام، نافذة العالم الافتراضي سمحت بالعبور الى عوالم من بوحها، كان الحرف رسالة اللقاء، والحوار القصير الذي يقول اكثر مما تقوله مطولات، اتابع ما تنشره على صفحتها الافتراضية، واتعمد الاتصال لتجيب برقي وكبرياء: انا مريضة، اقاوم الموت، السرطان يأكل جسدي، اخذ مني الكثير، والان يريد رئتي، وانا صديقته التي ترجوه ان يمهلني حتى اكمل روايتي (صديقي السرطان). اهو صديقك ؟ نعم انا واياه من ربع قرن، لنا احاديث وقصص وحكايا، صولات وجولات، اريد منك ايها الموت الا تستعجل علي كثيرا، انتظرك انا، وانت انتظرني حتى اكمل روايتي، وكيف لاينتظر، لا، بل لماذا ينتظر الموت وهو الذي سيموت حين تكملين روايتك، اليس الابداع وجها من اروع وجوه الخلود؟ وقد تحيدت الموت انت ربع قرن، وكل يوم يزداد الحرف ألقاً, كما هو الوطن الذي ترينه، في البحث عن مجاهل واسرار الحياة ونحن على تخوم ومفارق ما يجري يبدو الموت انتصارا لنا، ولكننا لا نرحل الا وقد تركنا للوطن قلوبا عامرة بالعطاء، تركنا له نبضنا وبريق عيوننا، ولون شفاهنا، وزرعنا على تخومه كروم الوعد التي ستنضج يوما ما، ولن يبخل الكرم ابدا، ففي كل عام ينضج العنب، لن نخاف ان اهرق كأس هنا وهناك، فالكروم يانعة، ومن ذاق كرم الابداع زاهيا بلون الحياة فلن ينساه، اعتدال رافع العائدة من بيروت تقول: عندما كنت طفلة كنت اظن ان الموت تجربة تصيب الكبار فقط.وعندما كبرت ادركت ان الحياة هي وقود الموت.. ليتني ما كبرت.. ليتني ماعرفت.. ايقنت ان الموت قادم، وهل اجمل من تزرع وردة في حديقة الوطن: عدت الى دمشق بعد غياب قسري تسعة اشهر قضيتها في علاج عبثي قاتل لا فائدة ترجى منه.. عدت الى دمشق لاموت فيها اعانق ترابها.. لأولد من جديد فراشة ربيعية تبحث عن رحيق الياسمين.. في مجموعتها (كلمات مسافرة) يشي كل حرف منها بان الموت وراء النافذة وراء الجملة وفي ثنايا كل حرف وكل نبض: الورقة كفن ابيض\ انزف حشاشتي حروفا\ اطرزها بقلبي\ الورقة سفينة\ تتهادى على نبض احلامي\ امخر بها عباب الزمن\ اليك\الورقة جناح احمله اشواقي\ يصفق بهمساتي\الورقة رسالة\ تتقاطر الدموع منها\الورقة اغنية احملها بحات الريح في حنجرتي\ الورقة زغرودة تضج بها افراح العالم\ الورقة حقل زنابق. الموت تيه في حقول الحياة ورحيل زنبق يذكرها بوالدتها التي كانت تمنى ان ترحل وهي في كامل الالق والنورانية فكان لها ما ارادت: يا الهي \ ابتهل اليك ان تاخذني اليك \ وانا تارجح باحلام طفولتي. تريد ان ترحل مع ارجوحة الاحلام لانها قضت العمر وهي تبحث عن الارتواء:لانني ولدت من شروش العطش \كل مياه العالم لاترويني\لانني سكنتك كل آهات العشاق لاتغويني\ لانني انت\ كل ما في الكون من جمال يثريني. انها رحلة الارتواء من الالق النوراني من زرع البسمة والعطاء وهي المرأة: يامرأة...يامن ولدت من جرح شوكة على ساق وردة\ يقطر الالم من مسامك رحيقا\ تنقعين به رسائل عشقك\ وانت ترتدين غلالة القمر وسنابل البيادر\ وتاج النجوم وغناء العصافير وبحات الريح وحنان المطر. وللشام الحب الاول ألق القصيدة وزهوها ورعشتها, واليها العودة لتكون الملاذ ودفء الرحيل وحنو التراب: ياشام.. ضميني شال حرير على صدرك\ اذرفيني في جوامعك ومزاراتك كتفيني\قطرة ياسمين في قاموس عشقك وزهرة بنفسج في دفتر احزانك/ فأنا ياشام ادمنتك وامتلأت بك حتى الثمالة: سورية يا عشقي الساكن مآقي الدمع انهضي يا حبيبتي امتطي جياد الريح انطلقي الى سدرة المجد اغسلي غبار اظلاف البعير عن وشاحك الاخضر المدروز بجراح الكرامه في غربتي القسرية عنك صار الالم صومعتي احلم بالعودة اليك على هودج العشاق ليضمني ترابك قصيدة عشق خالدة سورية الالق والمحبة والحنين والعطاء اعتدال سلام لك تكابرين وتكابدين، تعرفين ان ابداعك سر خلودك، وان الوطن ملاذنا وان كانت جراحه وجراحنا اكبر من كل الخرائط، لك التحية، وذاك العدو الصديق الذي ألفك وآلفته سيمهلك الكثير الكثير لتكتبي وتبدعي ونحن على موعد مع روايتك كما كنا على موعد مع كل ما قدمته. |
|