تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جاري ابن هانئ الأندلسي

معاً على الطريق
الجمعة 22-12-2017
ديب علي حسن

كان يوماً ربيعياً من نيسان متصف ثمانينات القرن الماضي، حين ارتفع نصب صغير بساحة تواجه المديرية العامة للجمارك، يخلد ذكرى صقر قريش الذي انطلق من الشام إلى الأندلس وأسس هناك دولة لم تمح إلا بعد أن احترب الأخوة واقتتلوا وتحكمت بها الجواري،

ووصل الترف إلى مرحلة الاسترخاء التي تضعف كل شيء، وقرب فيها من قرب، وأبعد من أبعد، في ذاك اليوم وأنا أرى النصب يرتفع لا أدري لماذا تذكرت ابن هانئ الاندلسي، وما كان يجود من مديح مبالغ فيه، اليس هو القائل: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فانت الواحد القهار ...‏

صمت أطبق على مخيلتي ليحلق بي إلى ضفتي الفرات وصقر قريش يعبر النهر سباحة ليتعمد بتراب دمشق ومن ثم إلى حيث كانت تتبدى وسط الغربة نخلة خاطبها بأبيات من الشعر الرائع، وبالطبع ليست قصيدة ابن هانئ الاندلسي بمديحه إنما موجهة إلى آخر .....‏

وطاف الحنين إلى مجنون ألسا للشاعر العالمي آراغون وهو يتناول شخصية ابي عبد الله الصغير، وترن الجملة الشهيرة التي خاطبته أمه بها (ابك كالنساء ملكاً لم تدافع عنه كما الرجال) وكانت زفرة العربي الأخيرة وسدت الدرب التي عبرها مطروداً بحجارة ........‏

أمس، بالقرب من جريدتنا، حيث بائع الفلافل، وأنا ازدرد لفافته وقوفاً، تقع عيناي على لوحة خضراء معلقة (حارة ابن هانئ الاندلسي) أقفز إلى ذكراه أستعيدها، تعبر خيالات أقرب إلى الهلوسة، وأطفح بالسؤال: مالنا نعيش الموتى والموت، مالشوارعنا وحارتنا لا تحمل إلا أسماء الراحلين، بغض النظر عما هم عليه من مكانة، ما لهم موتانا يحكموننا وهم في مقابرهم، مالهم يشدون إليهم، ونحن أبناء الحياة ؟‏

كيف يستقيم الأمر، وجدلية السؤال تقول: لقد عاشوا حيواتهم، وقدموا وأعطوا، تركوا إرثاً ومشيدات، نتفق، نختلف عليها، هذا أمر آخر، ولكن ما بالنا نحن الآن، نعود القهقرى ؟‏

لماذا نقفز إلى أحلام القادم بلا فعل، ونعيش الماضي وكأنه يومنا، وما بين ماض نترنم به، ونعيشه ونعرف أنه مضى، ومستقبل نغنيه، بينهما حاضر لا نعمل له، لا نقوم بفعل ما من أجل أن يكون فيما بعد ماضيا يتغنى به من سياتي ؟‏

مقابر، وموتى، كتب وتراث، برمه ورميمه، بقضه وقضيضه، كان ومضى، لكنه مازال قادراً على الفعل بنا، ليته الفعل الخلاق والمبدع، وقد يقول قائل: وهل ابن هانئ الاندلسي وغيره لا يستحقون ..؟‏

نعم، يستحقون، ولكن تصور أن ثمة مطاعم باسم المتنبي، وأبي فراس الحمداني ، ووو... مطاعم وقاعات، مسميات تسيء أكثر مما تحتفي ..‏

الوطن الآن يولد من جديد، كل لحظة مواكب شهداء يرتقون، ما الذي يمنع أن تكون اسماؤهم ايضاً تزين الشوارع والحارات ..‏

ما الذي يمنع لو أن سليمان العيسى رأى حارة أو شارعاً باسمه قبل رحيله، وقبل أن تغتاله مناهجنا المدرسية كما غيره من الشعراء ...؟‏

من الذي يجعل الأموات يحكمون حيواتنا، ويرسمون دروب الهاوية لنا، أليس من يقرب من هم أحياء أموات بلا قدرة على الفعل ......أليس هذا واقعاً نعيشه ؟‏

وماذا عن فعل الحياة والقدرة على التجديد والتجدد، ابن هانيء الاندلسي جاري صاحب الحارة التي تجاورنا: عذراً، لن أنظر مرة ثانية إلى اللوحة مع أنك جدير بكل تقدير .....سأقرأ اسم شهيد أضمره في قلبي وعقلي، لن أصفق لأموات على قيد الحياة لكنهم ذوو حظوة، نحن أبناء العمل والفعل، وزفرة العربي الأخيرة على ما يبدو ستبقى طويلاً طويلاً في كل درب، ولكن من يشمر ويزيح الصخرة .......؟.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية