|
نوفوستي: إن تأييد الكونغرس الأميركي لقرار يدعم فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق إدارية على أسس دينية وعرقية, قد لا يصل إلى درجة عملية تقسيم العراق بحد ذاتها, إلا أنه قد يؤدي إلى مزيد من تفجر الأوضاع في هذا البلد الواقع تحت الاحتلال الأميركي. صحيح أن مشروع القرار الأميركي المذكور بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق (شيعية في الجنوب وسنية في الوسط وكردية في الشمال) ينص على أن تكون كلها خاضعة لمركز فيدرالي واحد يقع في العاصمة العراقية بغداد, وإن مسؤولية العاصمة (أي المركز الفيدرالي) محصورة بالحفاظ على أمن الحدود الخارجية للفيدرالية العراقية, وتوزيع الدخل من مبيعات النفط, إلا أن الجزء الأكبر من المسؤوليات الإدارية والحكومية للدولة فستكون بأيدي الأقاليم أو الأقسام الفيدرالية. وبغض النظر عن كل الحجج التي يسوقها مؤيدو التقسيم, فإن أعضاء الكونغرس الأميركي ما زالوا أسرى أوهامهم الشخصية حول مستقبل الأزمة العراقية, وتطفو على السطح بوضوح أكثر من عبارة (لكن) التي يجب على الولايات المتحدة أخذها بعين الاعتبار بخصوص الوضع الحالي في العراق, على سبيل المثال أن مؤيدي قرار الكونغرس الأميركي من بعض الشخصيات العراقية قد يؤدي إلى مزيد من التوتر في العراق, فرئيس الوزراء المالكي يرفض رفضاً كلياً مشروع التقسيم الأميركي, والمالكي يتمتع بسلطات عملية وحقيقية أوسع بكثير حتى من سلطات رئيس الجمهورية. والبرلمان العراقي يقف ضد القرار الأميركي, ويتبنى الموقف ذاته قيادات وأحزاب عراقية رئيسية وهامة. ولم يؤيد عملياً فكرة الفيدرالية (التقسيم) التي تقترحها واشنطن سوى المقيمين في المناطق الشمالية من العراق, التي تتركز فيها الثروة النفطية العراقية. ولا يدعو للارتياح موضوع إقامة كيانات على أساس ديني في الجنوب والوسط والشمال. وكان على الولايات المتحدة أن تستخلص العبر من أزمة البلقان وخاصة فيما يتعلق بتوافق أو عدم توافق وانسجام ممثلي مختلف الأديان أو الطوائف. فالأزمة البلقانية أكدت من جديد حقيقة أهمية التوازن الذي يعتبر وليد مئات السنوات من التعايش المشترك بين مختلف ممثلي الأديان أو الطوائف أو الأقوام في بلد واحد, وأضعاف هذا التوازن والتعايش ينتهي عادة إلى قرارات خاطئة ومأساوية, إذ قد يرى فيه طرف تعدياً على مصالح لمصلحة طرف آخر. وفي الحالة العراقية من الواضح أن أكثرية الشعب العراقي يرفضون التقسيم الأميركي, لأن التقسيم يحرم مثلاً مواطني الوسط من الموانىء البحرية في جنوب البلاد وسيطرة معينة على الثروة النفطية في شمالها, ولو كانت مناطق الوسط ستحصل على 20% من عائدات بيع النفط العراقي, ولكن من الصعب التنبؤ بدقة كيف ستتطور الأمور في المستقبل ما قد يحرم الأغلبية من أبناء الشعب العراقي من ثرواتهم الوطنية النفطية. كما أن التقسيم يثير تحفظات وهواجس دول منطقة الخليج العربي وهم ينظرون بحذر وقلق حيال ذلك. ولا بد من التأكيد أن فكرة الفيدرالية في العراق بحد ذاتها, لا تحظى بدعم أو تأييد أي دولة من دول الجوار العراقي, بما فيها دول الخليج العربي. وإذا كان يتراءى للبعض إيجابية فكرة التقسيم الأميركية للوهلة الأولى, إلا أنها تخفي مخاطر جمة في طياتها, وخاصة في هذه الفترة العصيبة من تاريخ العراق. وعلى سبيل المثال, إن مجرد تحريك مسألة إقامة دولة في شمال العراق ولو كانت ضمن الاتحاد الفيدرالي العراقي سيكون أشبه بحجر رُمي في الماء وترك حوله دوائر تنتشر على السطح وتصل إلى مناطق دول الجوار وخاصة تركيا وإيران وسورية, وهذه العدوى ستخلق الكثير من المشكلات والأزمات لهذه الدول وللمنطقة عموماً. ويبدو أنه في حال بدء تنفيذ الفكرة الأميركية لتقسيم العراق على أسس فيدرالية - كما هو معلن- سيجر دول الجوار إلى أزمات قد تخرج عن إرادتهم ورغباتهم. إن القرار الذي وافق عليه أعضاء الكونغرس, لا يتمتع -لحسن الحظ- بإلزامية التنفيذ, إن كان بالنسبة للإدارة الأميركية أو للعراق, وجاء هذا القرار بصيغة تعديل على قانون السياسة العسكرية والحربية للولايات المتحدة, وإذا ما حدث ووافقت إدارة بوش على هذا التعديل فيمكن وضع صليب, وبكل ثقة, على قبر خطة الجنرال ديفيد بيتريوس بسحب 30 ألف جندي أميركي من العراق خلال عام .2008 |
|