تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


طبيعة التحالف بين الصهيونية والمشروع الاستعماري الغربي

شؤون سياسية
الاثنين 22/10/2007
غالب حسن محمد

لقد أثبتت الوقائع والأحداث وعلى مر السنين أن الصهيونية في جوهرها عبارة عن مشروع استعماري بالدرجة الأولى, هدفه الأساسي استمرار سيطرة الغرب على شعوب ومقدرات المنطقة والإمعان في نهب ثرواتها. والمشروع الصهيوني لم يتبلور في أي حال من الأحوال عبر التفاعل الداخلي في التجمعات اليهودية المنتشرة في شتى أنحاء العالم.

ولا من خلال التوافق فيما بينها. والحقيقة أن هذا المشروع تم إسقاطه على تلك التجمعات من خارجها وهكذا نشأ منذ القرن السادس عشر ما يمكن وصفه بالاتحاد الغربي لإنجاز هذا المشروع.‏

فالرأسمالية بعد أن ولدت الاستعمار كان لا بد لها من قاعدة استعمارية في منطقة الشرق الأوسط, وفي هذا السياق تم دفع اليهود, وبتأثير أبخرة الحماسة الدينية لتبني المشروع الصهيوني, كما تم دفع الشعوب الأوروبية لدعم هذا المشروع, وعلى هذه الخلفية كانت بداية المشروع الصهيوني الذي تم تدعيمه بمنظومة هائلة من الأفكار الغيبية عن الألف العام السعيدة التي سيعقب عودة السيد المسيح وارتباط ذلك كله بعودة اليهود إلى أرض الميعاد (فلسطين).‏

تلك كانت المعادلة الاستعمارية القذرة (عودة اليهود إلى أرض الميعاد ومن ثم عودة المسيح المخلص). فالصهيونية بأفكارها لم تكن في يوم من الأيام مشروعاً يهودياً بل كانت فكرة أوروبية خالصة تبناها اليهود وجهدوا في تحقيقها. وهكذا عمل الغرب الأوروبي عموماً والأميركي لاحقاً على دفع اليهود إلى فلسطين. عملية الدفع هذه هي بالأساس آلية استعمارية رأسمالية. وقد تمكنت البروتستانتية (المسيحية الصهيونية) من إدارة عملية الدفع هذه بكفاءة عالية لدرجة أصبح فيها التأثير الروحي اليهودي مسيطراً سيطرة شبه تامة على ملايين البروتستانت في أوروبا عامة وأميركا على وجه الخصوص وعلى هذا الأساس من عملية غسل الأدمغة والاستغلال البشع لما يسمى (الهولوكوست) وصلت نسبة الأميركيين المؤيدين لإنشاء اسرائىل على أرض فلسطين عام 1948 إلى درجة كبيرة جداً بين المسيحيين الأصوليين وأصبح النهج الأميركي السائد تجاه اسرائيل قائماً على صلة روحية دقيقة.بصفتها إرادة الله على الأرض, ومن هنا نشأت المنظمات والهيئات وجماعات الضغط الصهيونية التي تكاد تسيطر تماماً على مفاصل الحياة الأميركية السياسية والاقتصادية والثقافية.‏

وبالتالي فإن حركة المسيحية الأصولية في أميركا والتي هي في غالبيتها (بروتستانتية) تشكل أهم ظاهرة سياسية في العقدين الأخيرين من هذا العصر وأصبح العقل الأميركي ينظر إلى الصراع العربي الصهيوني على أنه امتداد للصراع التوراتي, وأن اسرائيل القرن العشرين هي اسرائيل التوراة نفسها التي يبشر قيامها بالمجيء الثاني للسيد المسيح.‏

وقد سرى في نفوس البشر في الدول الأوروبية الاعتقاد المقدم بضرورة عودة اليهود إلى أرضهم القديمة (فلسطين).‏

ويرى العديد من المؤرخين أنه لابد من أن يأتي اليوم الذي تتكشف فيه الأسباب والدوافع الحقيقية للمشروع الصهيوني بصفته مشروعاً استعمارياً غربياً في مقدماته وأهدافه, وهكذا نجد أن تغليف الصهيونية بغلاف لاهوتي بروتستانتي لم يكن سوى حاجة استعمارية صرفة, وهذا الغلاف أو المكياج اللاهوتي إن صح التعبير شاع في أغلب مناحي الإبداع الفكري والعلمي والعلوم الإنسانية والفنون في مجتمع الغرب الرأسمالي.‏

إن الإنسان في مجتمع الغرب الرأسمالي (الديمقراطي..) ليس سوى وسيلة لتراكم الثروة, فالرأسمالية العالمية في مرحلتها الراهنة (العولمة) تزرع الفوضى والدمار في جميع أنحاء العالم وخاصة في دول العالم الأكثر فقراً والأقل نمواً.‏

لقد كان الكثير من البسطاء, وحتى في أوساط النخب يفترض أن نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي سابقاً سيؤدي إلى شيوع السلام العالمي وزيادة النمو الاقتصادي, وتراجع الحروب والصراعات في مختلف مناطق العالم, إلا أن الذي حدث بعد أفول (امبراطورية الشر) وهذا اللقب كان المفضل لدى الرئيس الأميركي (رونالد ريغان) عندما يتعلق الأمر بالاتحاد السوفياتي, كان العكس تماماً, حتى إن (بريجنسكي) أحد أهم صقور الحرب الباردة يؤكد على زيادة تفجر الحروب الإقليمية وانتشار أسلحة الدمار الشامل وزيادة بؤ ر التوتر في أرجاء الكرة الأرضية, بالإضافة إلى فقدان الولايات المتحدة لقدرتها على السيطرة, ليصل إلى نتيجة مفادها أن تحالفاً جديداً للدول الأشد فقراً بقيادة الصين سينشأ في مواجهة الدول الغربية.‏

وها هو صقر آخر من صقور الحرب الباردة (صموئىل هنتينغتون) يتنبأ بإراقة دماء كثيرة في أنحاء العالم حيث يقول: (إن لحظة الفرح الطاغي ونهاية الحرب الباردة قد فجرت وكشفت وهم الانسجام) ليتنبأ بقيام عالم من الصراع العنصري والصدام الحضاري يتوج بنشوب حرب عالمية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين تؤدي إلى دمار نووي.‏

أما الصقر الآخر (روبرت كابلان) فيصرح بمزيد من الاستهجان قائلاً: إن جهود فترة ما بعد الحرب الباردة لفرض الديمقراطية تخلو من أي منطق معقول, ويضيف كابلان: نصوب البنادق إلى رؤوس شعوب العالم الثالث ونقول لهم: تصرفوا كما لو أن 59% من شعوبكم متعلمون, تصرفوا كما لو أنه لا توجد لديكم صراعات عرقية أو إقليمية.‏

بكلام آخر: إن الديمقراطيات الغربية, والقائمة على نهب ثروات الشعوب, والتي يقودها رجال عصابات من أمثال جورج بوش وطاقمه يبشر بكل مرارة بمستقبل داكن للبشرية مستقبل يزداد فيه الوحش الرأسمالي توحشاً ويزداد اساتذته فجوراً في تبرير وتسويق هذه الأفكار القذرة.‏

وهذا ما وجد ترجمة عملية له في العدوان الأميركي الصهيوني المتوحش على لبنان في تموز من العام الماضي, بكل ما رافقه من قتل وتدمير وتخريب وحشي, في الوقت الذي عملت فيه وسائل الإعلام وأجهزة السيطرة والتحكم في البلدان الغربية على تصوير ما جرى بشكل مغاير للحقيقة تماماً, فاسرائيل المسالمة هي الضحية, وهؤلاء الإرهابيون البرابرة أعداء الحضارة في جنوب لبنان يقومون بالاعتداء المستمر على شعب اسرائيل الآمن والمتمدن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية