|
محطة ناهيك عن ضآلة الاهتمام الجدّي والمؤسساتي بها. ولهذا عندما يتصدى كاتب أو أكاديمي أو إعلامي أمريكي لدراسة العلاقة العضوية والاستراتيجية والنفعية بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني, فإنّه يغامر من جهة ويقدّم معطيات وحقائق لا تتوافر لباحثينا من حيث دقتها وتفصيلاتها وتوثيقها من جهة أخرى, الأمر الذي يجب أن يدفع مؤسساتنا الثقافية والعلمية والإعلامية للإفادة القصوى من تلك المؤلفات والأبحاث والمواقف, التي تفضح الممارسات المتحيزة للصهيونية في مراكز صناعة القرار في أمريكا وفي غيرها من الدول الكبرى. ونعتقد أنّ أجرأ عمل فكري صدر في الولايات المتحدة الأمريكية في هذا السياق هو كتاب العضو السابق في الكونغرس بول فندلي وعنوانه (من يجرؤ على الكلام?), الذي جاء حصيلة تجربته الممتدة لعقدين من السنين في عضوية الكونغرس ودهاليزه ولجانه وأنشطته العلنية وغير المعلنة في دعم (إسرائيل) ومحاربة من ينتقد (ولو بصورة دبلوماسية خفيفة) مواقفها العدوانية وطبيعتها التوسعية وجرائمها العنصرية. ولأنّ بول فندلي اتصل بمنظمة التحرير الفلسطينية وبدأ يشكك في روايات اللوبي الصهيوني المطروحة في أروقة الكونغرس ولجانه المتخصصة, فقد تعرّض لحملة هائلة أدت إلى منع إعادة انتخابه في عام .1982 ومنذ تلك اللحظة الفاصلة في حياة بول فندلي السياسية انصرف إلى دراسة اللوبي الصهيوني بعمق وتوثيق استثنائيين, مع التركيز على أساليب هذا اللوبي في التأثير على أصحاب القرارات السياسية والعسكرية والمالية لمصلحة (إسرائيل). وبعد سبع سنوات من صدور كتابه (من يجرؤ على الكلام?), الذي احتل الصدارة بين الكتب السياسية الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة عاد وأصدر كتاباً آخر بعنوان (الخداع), يفضح فيه أساطير اليهود والصهاينة وأضاليلهم ويفنّدها استناداً إلى أوثق المراجع والمصادر الغربية والإسرائيلية والأمريكية, مبّيناً مدى الأضرار التي تتكبدها الولايات المتحدة نتيجة لعلاقتها الخاصة والحميمة ب (إسرائيل) واندفاعها المطلق لتأييد هذا الكيان في أعماله العدوانية وانتهاكاته البشعة لحقوق الإنسان, وجرائمه الخطيرة المنظمة ضد الشعب العربي الفلسطيني. وقد قادته موضوعيته ومواقفه الإنسانية الشجاعة, وانحيازه للحق العربي, وتصدّيه لأكاذيب الصهيونية ومزاعم مناصريها ومؤيديّها إلى اصدار كتاب آخر (في عام 2000) بعنوان (لا سكوت بعد اليوم) بهدف كشف الصور والأنماط الذهنية والإعلامية, التي تشوّه عن عمد وسابق تصميم جوهر الإسلام وعباداته وشعائره في الغرب عموماً وأمريكا على وجه الخصوص. نال بول فندلي في بلده عدداً من جوائز الشرف العلمية والفكرية والثقافية تقديراً لنشاطاته في سبيل حقوق الإنسان ومناهضة التمييز العنصري, لكنّ الجامعات والأكاديميات والمؤسسات الثقافية والإعلامية ومنظمات الأدباء والكتّاب وجمعيات العلوم السياسية والفلسفية العربية إما أنها لم تسمع بهذه الشخصية المرموقة (وهو احتمال ضعيف حيث ترجمت مؤلفاته إلى العربية وبعضها أعيدت طباعته عدة مرات), أو أنها لا تعي الأهمية الشديدة وغير العادية لمؤلفات تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية تطبع بملايين النسخ, تجرؤ على مهاجمة الصهيونية في بيتها وحاضنتها العالمية الأعظم!! بول فندلي وأمثاله من الكتاب والمفكرين والسياسيين والعلماء والإعلاميين الغربيين يستحقون كل التقدير لمواقفهم الجريئة والمقدامة, دفاعاً عن الحق في وجه القوى الصهيونية والمتصهينة. فهل التفتنا إلى هؤلاء الباحثين المحترمين واستفدنا من كتاباتهم ومعطياتهم ومواقفهم ووثائقهم, أم أننا سنبقى منكفئين على أنفسنا, نردّد المقولات والأفكار والأطروحات ذاتها, التي لا تتجاوز أسماعنا وحدودنا, فلا تصل إلى الآخرين, وإن وصلت لا يقتنعون بها, لأننا لا نعرف كيف نسوّقها, مع غلبة الطابع الحماسي والعاطفي والبلاغي والإنشائي على معظمها?!! |
|