تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المرأة والحب بين براوننغ ونزار قباني

شؤون ثقا فية
الأحد 27/4/2008
لما المسالمة

يقول المتنبي :وكم ذنب مولده دلال / وكم بعد مولده اقتراب‏

ويقول جميل بثينة:‏‏

وأول ما قاد المودة بيننا/ بوادي بغيض يا بثين سباب‏‏

فقلنا لها قولاً فجاءت بمثله/ لكل سؤال يا بثين جواب‏‏

ويقول نزار قباني:‏‏

الحب ليس رواية شرقية /نجتاحها يتزوج الأبطال‏‏

لكنه الإبحار دون سفينة/ وشعورنا أن الوصال محال‏‏

فالحب عاطفة شائعة تعمر القلوب ولا تختلف هذه العاطفة باختلاف البيئات والأزمان لأنها شيء خالد ركب في الإنسان وليس أقدر من الأدب على تصويرها من حيث إن الأدب يهدف لإبراز الثمرة الخلقية والمثل الراقية للعواطف, ومما لاشك فيه أن بين تقدير الجمال ورقي السلوك علاقة خفية متبادلة. وقدمت الأستاذة والباحثة والمترجمة عفة زكريا في محاضرة ألقتها في ثقافي كفرسوسة الأحد الماضي عرضاً للمعنى الشعري للحب عند الشاعر الانكليزي روبرت براوننغ والشاعر السوري نزار قباني والكاتب السعودي عبد العزيز التويجري ونظرة كل منهم على حدة لفكرة المرأة والحب من خلال شيء من إنتاجهم:‏‏

الحبيبة مجرد فكرة كما الحب عند براوننغ‏‏

يركز الشاعر براوننغ على فكرة الابتعاد في الحب حتى يبقى هذا الحب ويستمر دون التباعد والإباء والالتواء والبخل والامتناع من جانب المرأة والمطاردة والجري واللهاث وراء الحب من جانب الرجل, لا يعود الحياة معنى ولا للحب قيمة,متعته في حبه أن يجري ويفتش وإذا لم يجد الحبيبة لا يدب اليأس في قلبه بل تشحذ عزيمته من جديد حين يعاوده خيالها ويزوره طيفها فتتجدد حياته ويكون لها معنى لأنه يعيش المعنى ويعبر عن ذلك في قصيدتين الأولى بعنوان (الحب في الحياة) والثانية (الحياة في الحب). يقول براوننغ:(أفتش عنها في بيتنا الكبير, الذي نقطنه, غرفة بعد أخرى, يا قلبي لا تخش شيئاً.. حيث تركت أثراً منها خلف الستارة وعلى الأريكة العطرة وبينما كانت تنظفها, ازدهر افريز الحديقة بزهور ندية, وهناك في المرآة أرى ظل ريش وشاحها يلتمع..).‏‏

وفي القصيدة الثانية (الحياة في الحب) يقول:‏‏

(أتهربين مني? أبداً هذا غير ممكن, أيتها الحبيبة! وما دمنا, أنا من أنا وأنت من أنت فإن العالم سيحتوينا معاً, أنا وأنت, أنا العاشق وأنت النفور وبينما يراوغ الأول ويتملص ويحّير, على الآخر أن يستمر ويلح في المطاردة..)‏‏

وترى الباحثة زكريا أن الشاعر لخص حاله في القصيدة الأولى في أنه يقضي حياته في الحب بكل سرور, فالحب بالنسبة له قضية جادة مرتهنة وفي القصيدة الثانية يرى حياته مرتهنة للحب حيث تستهلكه المصادفة المرتقبة التي قد تأتي. وفي القصيدتين لا نرى أثراً للحبيبة التي هي مجرد فكرة وأثر من رائحة أو ظل, لم يفصلها عنها شيء فهي والحب الفكرة نفسها. فالمحبوبة عند براوننغ متمنعة هاربة, وهو عاشق مصر على الجري وراءها, هكذا تستمر العاطفة وتستعر ومن ثم تعيش وتخلد وإلا تقضي على نفسها بالفشل والانطفاء والموت وهو يعلن عن ذاك بسرور أن هذه هي حياته وقضيته وهنا ربما كان يقترب من المعنى الصوفي للحب الذي يريد استمراره وبقاءه.‏‏

نزار قباني يريد من الحبيبة أن تتمنع:‏‏

لجأ الشاعر قباني إلى التعبيرات الحسية ومن ثم العنف حيث يقول للمرأة التي لم نفهم طبيعة وجودها معه أو نعرف لمحة من ملامحها:‏‏

ابتعدي وقاومي لتجعلي الحب ذا طعم- وغير سهل المتناول‏‏

يقول نزار قباني في كتاب الحب:‏‏

ضعي أظافرك الحمراء في عنقي ولا تكوني معي شاة أو حملاً‏‏

وقاوميني بما أوتيت من حيل إذا اتيتك كالبركان مشتعلاً‏‏

وهنا يقوم الشاعر بدور الموجه لامرأته إلى الطريقة الفطرية التي يجب أن تكون عليها وهي التمنع والتباعد ولو أنه من الواضح أن العلاقة هنا قد تكون رخيصة وعلى شفا تجاوز الحدود وهي في الأعم والأغلب صور نساء نزار قباني في ديوانه.‏‏

وترى الباحثة زكريا أن المرأة العربية أو الشرقية تتصف بالكبرياء لا تستسلم ولا تعترف بما يعتلج في قلبها وبعض نسوة نزار اللاتي صورهن في خياله وبحث عنهن أو كن حقيقة وكتب عنهن في شعره ينتهي أمرهن مع انتهاء النزوة ليبحث عن أخريات إلى ما لا نهاية له, ومع ذلك فقد اقترب نزار من طعم الحب وتذوق وجود المرأة معنوياً حين قال في قصيدة أخرى:‏‏

الحب ليس رواية شرقية نجتاحها يتزوج الأبطال‏‏

لكنه الإبحار دون سفينة وشعورنا أن الوصال محال‏‏

هو أن تظل على الأصابع رعشة وعلى الشفاه المطبقات سؤال‏‏

وهنا يقدم نزار للمرأة بالابتعاد والنأي بالنفس لخلق الصورة الموحية لا الاقتراب وإحراق هذه الصورة ولكل أديب طريقته الخاصة في التعبير عن هذ الفكرة‏‏

(التويجري يعطي صورة مشرفة عن اعتزاز المرأة بنفسها وكرامتها)‏‏

وهنا استعرضت الباحثة زكريا كتاباً للأديب السعودي عبد العزيز التويجري بعنوان (ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن وتحديداً فصل (على الغدير التقينا) ص ,107 حيث يروي هذا الفصل قصة التويجري مع زوجته البدوية التي تعرف إليها عندما كان شاباً غضاً وهو يقوم برحلة مع مجموعة من رفاقه إلى البادية وكيف طال بهم المكوث في البادية وهناك تعرف إلى بدوية .وفي نهاية المطاف عندما واتت الظروف تزوج بها ومع أن زواجه لم يدم إلا سنة واحدة حيث تدخلت الأقدار الإلهية وأخذتها مبكرة ومع ذلك بقي حبها في قلب التويجري حتى الآن.‏‏

وخلاصة القول نرى أن الرجل يريد أن تكون المرأة حبيبة مقاومة مبتعدة إلى درجة التواري كما رأينا عند براوننغ حيث لم نلمح لها ولا حتى ظل شبح مع تغزله بها من خلال ظل أثر لأنها فكرة مقدسة عنده, وكذلك الأمر عند نزار قباني الذي يطلب من المرأة قتله بالطريقة ذاتها عند الكاتب التويجري الذي ضربته الفتاة بسوار في جبينه وترك هذا السوار جرحاً في قلبه كما الجرح الذي تركه في جبينه.‏‏

إن كل ما هو فطري وطبيعي يحقق السعادة ويمنح النفس هدوءها وسكينتها التي هي غايتها وغاية كل حي ولو على نحو نسبي.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية