|
شؤون سياسية إن الغلاء الذي يجتاح العالم سببه أن ثلث الهنود باتوا يأكلون مرتين في اليوم,مضيفة أنه إذا بدأ مئة مليون صيني بشرب الحليب فسينعكس ذلك نقصاً في حصص الحليب لدينا.وتقصد لدى الغرب-علماً أن رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس-ولاأحد يشك في ولائه للحضارة الغربية-وصف استمرار انتاج الوقود الحيوي من الأرز والذرة وفول الصويا..بأنه مشكلة أخلاقية وانتهاك للإنسانية محذراً من أن (الأسوأ في أزمة الغلاء لم يقع بعد),إنه تسونامي صامت سيتجاوز كل الحدود ,حسب تعبير رئيسة برنامج الغذاء العالمي جوزيت مشيران,مشيرة إلى أن المنظمة ستضطر في الأسابيع المقبلة إلى قطع المساعدات المدرسية عن أكثر من أربعمئة ألف طفل في العالم. يعكس الجدل الدائر حول أسباب الغلاء وتفاقم خطر حدوث مجاعة عالمية انقسام العالم المتزايد إلى معسكرين,معسكر الأغنياء مثلاً بدول الغرب ومعسكر الفقراء ممثلاً ببقية دول العالم. ورغم محاولات منظري العولمة (الشكل المتطور للنيوليبرالية) إلقاء أسباب الأزمة الحالية على اضطرابات سوق القطارات وانفصال الاقتصاد المالي عن الاقتصاد الحقيقي وانخفاض أسعار الفائدة..إلخ فإن الأزمة الحالية بنيوية بجوهرها وسببها الأعمق ,كما يؤكد المحللون العولمة النيوليبرالية المنفلتة من عقالها والفجوة التي تتسع داخل دول الغرب نفسه بين الفقراء والأغنياء,ناهيك عن الهوة الواسعة بين الشمال والجنوب.ماتعيشه اليوم يشبه فوضى كازينو القمار ويعني مخاطرة كبيرة لتحقيق أرباح أكبر حسب وصف أحدهم. إن انفلات العولمة (قمة الليبرالية الجديدة) بوحشيتها وشراستها يؤدي كما يحصل حالياً إلى التهام الفقراء لصالح تمركز الثروة والسلطة في أىدي قلة قليلة من الأثرياء في العالم. ففي عالم اليوم,لم يعد المطلوب تقاسم الغنائم كما بشرت به الرأسمالية الوليدة في أوربا,وكما حدث في الحربين العالميتين ,الأولى والثانية بل يتعلق الأمر حالياً بمدى قدرتنا كدول وشعوب في البقاء على قيد الحياة. إن العولمة في ظل النيوليبرالية تعني أن عشرين بالمئة من البشر يسيطرون الآن على أربع وثمانين بالمئة من أصول الثروات.بينما العشرون في المئة في الدول الفقيرة-الأكثر فقراً -عليهم أن يذهبوا إلى الجحيم حسب ماتبشرنا به العولمة الحالية. يؤكد كتاب صدر قبل تسع سنوات وعنوانه (تقرير لوجانو..مؤامرة الغرب الكبرى) لمؤلفته سوسان جورج أن ماينتظر الشعوب الفقيرة المقهورة في ظل العولمة بكل ماتمارسه من أساليب امتصاص دماء الفقراء لكي يثرى الأغنياء الأقوياء يتمثل ليس فقط بإيقاف تزايد سكان العالم عند رقم ستة مليارات لكن ضرورة تخفيض هذا الرقم إلى أربعة مليارات وذلك باستخدام أفظع الأساليب وحشية, من فرض التعقيم الاجباري إلى إشعال الحروب والصراعات ونشر الأوبئة والأمراض الفتاكة لكي تلتهم الزيادة السكانية. يذكرنا هذا الكلام بالفحش العنصري والتطهير العرقي,باعتبارالشعوب الفقيرة بنظر أثرياء النيوليبرالية وعولمتها المتوحشة حثالات ينبغي التخلص منها. (وبهذا الرقم) أربعة مليارات تتمكن النيوليبرالية من مواصلة نجاحها وازدهارها). إذا ماينتظر شعوب العالم الأفقر في ظل سيادة العولمة, الجوع والمرض والموت. ومن أجل أن يعيش خمسة عشر بالمئة من السكان الذين ينتمون إلى الغرب المزدهر ويتمتعون بثمار العولمة ونتائجها لابد من التخلص من النفايات البشرية التي مرت المستشارة ميركل على ذكرها من هنود وصينيين ..إلخ. المطلوب إذاً إغراق مليارات من البشر في قاع الفقر والقضاء عليهم بالإحباط والبؤس وبالأمراض وبالحروب والصراعات ,أو بهذه الأساليب مجتمعة. وإلا فالعولمة ستموت.هو قانون الغاب بعينه, البقاء للأقوى ,والأقوى هنا هو الغرب بما ينتجه من أسلحة فتاكة مدمرة ومن أوبئة ومن تلوث للبيئة وتدمير للحياة على الأرض بالاستغلال الوحشي لمواردها ونهب ثروات الشعوب. إن الأزمة الحالية وغلاء الأسعار هما محصلة للنهج اللانساني للشركات العابرة للقارات والتي امتدت كالاخطبوط السام في كل مكان. ولكن هل هذه هي النهاية?حتماً لا فالأزمة البنيوية للنيوليبرالية وهي تحملها في داخلها تعني أن الصراع مستمر بين قوى الخير وقوى الشر في العالم.بين من يريدون العدالة على الأرض -وهم الأكثرية وبين ممثلي العولمة بشكلها النيوليبرالي المتوحش. |
|