تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عفيف البهنسي.. والجمالية العربية

كتب
الأربعاء 27/8/2008
قراءة وإعداد: مصطفى أنطاكي

( يعد الكتاب مقدمة لقراءة الأبحاث الجمالية التي نشرت موسعة في مؤلفات الدكتور عفيف البهنسي, وبخاصة منها مايحمل عناوين مثل الأصالة والحداثة, وعلم الجمال, وآثار الفن والعمارة ما يؤلف موقفاً فكرياً تم عرضه تحت عنوان: عفيف البهنسي والجمالية العربية).

يقول الدكتور بهنسي:( الفنون العربية الإسلامية التي تملأ متاحف العالم, القادمة من مواقع أثرية في بلاد الرافدين وسورية, ووادي النيل تشهد على عراقة الفن على الأرض العربية.. بحيث ولدت أشكالاً من الفكر والنظرية وسمت مظاهر الحضارة بميسمها, أو كانت بطانة هذه الحضارة استخلصها المفكرون والكتاب والفقهاء, حتى أصبحت فلسفة قائمة بذاتها مميزة عن غيرها من الفلسفات الشائعة حسب اختلاف مبادىء الإسلام التوحيدية عن مبادىء دينية أو زمنية أخرى).‏

لقد اتصف الفن العربي بالوحدة والتنوع. والفنون العربية إبداعات تشكيلية موزعة على أشياء استعمالية أو زخرفية تجميلية.. والفكر الإسلامي الذي قام على الإطلاق في تحديد ماهية المعبود.. قد أفرز فناً مطلقاً يعبر عن المطلق الأزلي, وليس فناً مشخصاً يعبر عن المحدد العرضي.. والجمال في المفهوم العربي لايقوم على مقاييس الجمال الإنساني الرياضي بل عل مقاييس مطلقة تبدت في الخروج عن الطبيعة, وعدم الخضوع للواقع المادي فكان الفن العربي, روحاني النزعة متحرراً من تأثير الواقع.‏

وإذا كان المبدع التشكيلي العربي قد تجاوز الشكل الإنساني والواقعي في أعماله, فإنه سار في ذلك مع التقاليد التشكيلية القديمة, ومع مفهوم الإبداع الذي يرفض نقل الأشياء كما يرفض التوافقية والتبعية.. وخاصة في الجمالية العربية المرتكزة على فنون الخط والزخرفة والرقش التشبيهي.‏

من وجهة نظر الدكتور البهنسي الفن ليس علماً بل هو نظرة للواقع نسميها نظرة جمالية.. ومن حيث هو أثر فني فإن وجوده مستقل عن الحقيقة المألوفة ومرتبط بالتقدير النسبي ,باختصار لنترك للعلم مهمة البحث عن الحقيقة, ولنترك للفن مهمة البحث عن المثل, عندها سنشعر بالتوازن الحيوي, وليس بالانفصال عن الحياة.‏

حقيقة إن الفن العربي وجميع مفرزات الحضارة العربية هي إحدى الشرايين التي تغذي جسم الحضارة الإنسانية التي يحددها العصروالتاريخ, ولاتحددها الجغرافيا والقوميات.. ومهمة الفن ليست صحفية, وليست سياسية.. والاعتقاد أنه من سمات الأصالة (الانتماء) الانتماء للتاريخ, للأحداث, للأمة.. ومع أن الفن بوصفه لغة عالمية, مازال وسيلة ناجحة لتحقيق أهداف الحوار بين الذاتيات الثقافية إلا أنه يحمل خصوصيات متنوعة بتنوع الحضارات التي أنتجها الإنسان في كل مكان من العالم, ومع أن الشرق العربي بقي خارج حدود العبث التشكيلي والسقوط في هاوية الهدم- كما حدث في الغرب- إلا أنه مع ذلك سار في طريقين متوازيين, الأول كان استنساخاً لتيارات الفن في الغرب بوصفه فناً عالمياً من الضروري اتباع اتجاهاته ومدارسه.. والثاني اتجه نحو الهوية العربية من خلال المفهوم الجمالي للفن عند العرب.. إن جميع تيارات الفن كانت نتيجة جدل بين الذات والموضوع, بين التاريخ والطبيعة.. بين السكون والحركة. ومحصلة هذا الجدل كان قطباً يغرز محصلة أخرى.‏

ويؤكد الدكتور البهنسي أن فلسفة الفن أو جمالية الفن هي جانب من جوانب الفلسفة العامة تناولها الفلاسفة حتى أصبحت اختصاصاً.. وكان عماد هذه الفلسفة الإنسان كمقياس للجمال والكمال والجلال.. ويختم الدكتور بهنسي حديثه بالقول: لقد استطاع الفن العربي الإسلامي أن يصور الأشياء بأسلوب فني متميز. على أنه لم يصور الأشياء كما هي وإنما صورها كما يراها.. ولم يكن على خطأ.. فالفن الحديث, مازال يسير في هذا الاتجاه مبتعداً أكثر فأكثر عن الجمال الطبيعي, الجمال بذاته, ساعياً وراء الجمال الفني الجمال المبدع.‏

المؤلف: الدكتور عزت السيد أحمد - الإصدار: منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب - وزارة الثقافة - دمشق 2008‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية