تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إنانا.. أنوثة الحضارات العتيقة

كتب
الأربعاء 27/8/2008
يوسف الجادر

( ....شَعْري مثل الخسّ نبَت بجوار الماء/ مشَّطتُ خصلاته/ صارت تلمع تحت الشمس/ شعري رتَّبَتْهُ المربية أصبح عالياً/ هو فِتْنتي / هو جمالي/ شعري الشبيه بأجمل النباتات/ هو شجرة التفاح التي تُُثْمِرُ إلى هامتها).

هذا مقطع من الملحمة الأسطورية السومرية القديمة (إنانا ملكة السماء والأرض) والتي تشكل مفرداته وصفاً تشكيلياً جميلاً لإنانا آلهة الجمال والحب والخصب عند السومريين, هذا الوصف يأتي عندما كانت تحاور دوموزي حبيبها المزارع الذي سيصبح زوجها وملكاً على أورك, إنانا البنت الأولى للقمر والسماء, كانت امرأة كالشهر القديم وكالشتاء, جنية من طراز خاص, ملهمة السحرة والرجال أنصاف الآلهة, وهي التي تدفع المزارعين لإنتاج مزروعاتهم ببركة وجمال, آلهة الخصب والحب هي مثل عشتار, وماري, وديانا, وإيزيس, وهيكيت, وليليث, وبيرسفون, وهي الملكة العظيمة التي لعبت دوراً عظيماً في بناء الأسطورة الملحمية أكثر من الآلهة الأخرى.‏

تقول الحكاية السومرية بأن إنانا أخذت شجرة هولوبو المباركة التي كانت تروى من مياه الفرات في عام الطوفان والتي سحبتها الرياح والمياه إلى حديقتها فاعتنت بها حتى كبرت, لكن الثعبان بنى عشه فيها, ثم طلبت من أخيها أوتو أن يخلص الشجرة المقدسة من الثعبان لكنه لم يستطع إلى أن أتى أخيها جلجامش المحارب الباسل والقوي البنية والذي قتل خمبابا ذي السبعة رؤوس ليثبت درعه ذا الخمسين ريشة حول صدره ويقتل الثعبان بفأسه وليصنع من جذوع الشجرة وأغصانها تاجاً يضعه على رأس إنانا لتصعد إلى السماء وتقابل هناك إله الحكمة أنكي والذي بدوره سوف يعطيها الصولجان والسر المقدس والملك ويهبها القوة والجمال والخصب, ثم تنزل إلى العالم السفلي وتتجاوز بواباته السبعة هذا العالم الذي لا يرجع أحد منه, إلا أن إنانا تصعد مرة أخرى ليكون لها دور في الخصوبة والعطاء, إنانا (هي الآلهة التي لها ظلال كثيفة في سماء مدينتها, كانت تدون قوائم بأسماء المتعبدين المعروفين في عالمها, الآلهة المؤنثة المعروفة بتلك الواجبات) ص54.‏

كتاب (إنانا ملكة السماء والأرض) هو عمل مشترك لدايان ولكشتاين وصموئيل نوح كريمر, أو بالأحرى هو إعادة صياغة لمجموعة من المخطوطات التي اكتشفت على الألواح الطينية في سومر, والتي جمعها وترجمها كريمر, لكن الروائية والكاتبة دايان ولكشتاين أعادت ترتيب الحكاية برقة وعذوبة لتعطيها البعد الملحمي, ولتشير إلى إمكانيات (إنانا) الآلهة المقدسة والتي لعبت دورا كبيراً في إنتاج الخصوبة والزراعة والقمح, هي الإله الأنثى, وإذ يشير كريمر في مقدمة الكتاب على جهود ولكشتاين لظهور هذا الكتاب فيقول:(ولكشتاين الموهوبة ذات الجهد الروائي المتميز والمحترفة في مجال عملها المشحون بالصور الرقيقة والأصيلة ذات الإبداع المشتمل على الحساسية, جهدها يشبه المصباح الذي أضاء فأضاف كلمات وخطوطاً توضيحية , كما أعاد وضع التراث كنموذج مستحسن الإبحار فيه, تلك الجهود التي عملت على نسخ النصوص والقصائد بشكل ماهر, اقتربت من النجاح وإعادة إنشاء مجموعة مهمة من الحكايات والأغاني الباطنية المخفية التي كانت تتوارى في ذهن الرجل, تلك المتعلقة بالخصب والجنس والخيال المذكر الجذاب..)ص52.‏

والجدير ذكره أن المترجم شاكر الحاج مخلف في مقدمته للكتاب وضع إطاراً تاريخياً ومكانياً للحكاية سعياً منه لتكون الحكاية واقعية أكثر ولكي يبين أن هناك في لحظة من لحظات التاريخ كان هناك حضارة اخترعت الكتابة وأرشفت تاريخها وحكاياتها على الألواح الطينية وورق البردي أي إن إنانا بنت حضارة سومر التي كانت لها علاقات مع الحضارات الأخرى والتي ساهمت إلى حد بعيد في بناء الإنسان السومري القديم مؤسس الشرائع والحكمة والنور, وبالإضافة لذلك الجهد التاريخي للمترجم, فإن مايميز الكتاب تلك الأناشيد السبعة في نهاية الأسطورة والتي تصف إنانا في مراحلها ودورة حياتها المتعددة.‏

الكتاب : (إنانا ملكة السماء والأرض) - المؤلف: دايان ولكشتاين, وصموئيل نوح كريمر - ترجمة: شاكر الحاج مخلف - دار خطوات للطباعة والنشر .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية