تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بادية الشام : خارطة.. للشغف والطمع .. الغربيين

كتب
الأربعاء 27/8/2008
لينا هويان حسن

لقد أصبحت معالم خريطة بلاد الشام في السنوات الأخيرة مألوفة لدى القارئ العادي فالصحافة ومعظم الكتّاب الذين تصدوا لكتابة أحداث المنطقة ومعظم دارسي نظام الانتداب (الذي طبق على سورية وفلسطين والعراق) قد أسهموا جميعهم في إثارة الاهتمام بهذه الهضبة.

تعمل بعض الصحارى على تقسيم الأقطار والدول وحضاراتها بشكل صارم لا يرحم, ولكن هناك بعض أنواع الصحارى التي تساعد في توحيد أقطارها وتعتبر بادية الشام من النوع الثاني أي النوع الذي يوحد الأراضي المجاورة له وذلك كما تؤكد كريستيا فيلبس غرانت في مؤلفها: بادية الشام - لأنه ومنذ الحرب العالمية الأولى أصبحت المناطق الصحراوية مشهداً لثورة ميكانيكية لم يسبق لها مثيل فقد استبدلت وسائل المواصلات التي كانت سائدة في القرون الوسطى فجأة وبصورة سحرية تقريباً بوسائل أساسية بديلة من المواصلات الحديثة ولهذا أصبحت الطرق التجارية في هذه الصحراء همزة الوصل ما بين الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ومنطقة ما بين النهرين منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام, إذ شجعت هذه الطرق وعززت التبادلات الثقافية والدينية فضلاً عن التبادلات التجارية ما بين الشرق الأدنى والشرق الأوسط, وفضلاً عن ذلك كانت بادية الشام وحتى افتتاح قناة السويس المنطقة المعترف بها كأقصر طريق ما بين الشرق والغرب, عموماً جاءت فصول هذا الكتاب تخدم كخلفية لتلك المغامرات والتجارب التي مارسها أولئك الذين سافروا لأي سبب من الأسباب وجابوا تلك الأراضي المجدبة التي تقع ما بين منطقة النهرين والبحر الأبيض المتوسط, ولقد كان بعض أولئك السياح رجالاً ونساء ذوي شهرة كبيرة مثل بيتر ديلافالي وهوبر والليدي بلانت وزوجها الكابتن ولفردسكاون بلنت والعقيد تشيسني وجيرترودبيل وبيركهاره وداوتي وت , لورنس. فهؤلاء لم يعبروا بادية الشام فقط بل كتبوا دراسات مستفيضة حول أراضيها الجنوبية الغربية وهناك آخرون أقل شهرة من هؤلاء قد قدموا إلى هناك لمختلف الأسباب واشتهروا بشكل غير مباشر من خلال ما كتبه عنهم بعض رفاقهم من سياح ومنهم هاكلوين وبيرشاز أو ضمن المؤلفات الأقل قيمة مثل مؤلفات راي وموي.‏

كريستينا غرانت تتحدث في مقدمتها عن بادية الشام وسكانها وعن جغرافيتها والقبائل البدوية وأصولها وتنظيماتها والطرق في بادية الشام والخلفية التاريخية للقوافل التجارية ما بين سورية ومنطقة ما بين النهرين وكذلك تتحدث عن الرحالة والمستكشفين في بادية الشام والرحالة الأوائل وعن الرحالة في القرن الثامن عشر والمستكشفين في القرن التاسع عشر والعشرين حيث كان وليم بيوبيس أول رجل غربي يعبر الصحراء بعد هذه الفترة وقد قام برحلته عام 1745 وأتى بعده بالتتالي أربعة رجال من الانكليز وهم بارثا لميو بلاستيد وجيلارد روبرتس وابنه وجون كارميشال وقد نشر السيد دوغلاس كاروترز مذكراتهم جميعاً مع ملاحظات كاملة مبوبة علمياً في كتابه المسمى الطريق الصحراوية إلى الهند عام 1929 وكان الرحالة الوحيد المعروف تماماً في أوائل القرن التاسع عشر هو الرحالة الهندي الرائد جيمس رينيل, ففي خريطته لآسيا الغربية رسم الفرات والطريق الصحراوية العظمى وبالنسبة للجزء الشمالي من تلك الطريق فقد اضطر للاعتماد على مذكرات مختلف الرحالة الذين سبقوه خصوصاً كارميشال وبعد وقت قصير من رحلة وينيل قام الملازم وليم هيود أحد موظفي شركة الهند الشرقية البريطانية بالسفر إلى بغداد بطريق النهر ثم الركوب على ظهر الحصان ولكنه لم يعبر صحراء حلب.‏

وفي عام 1875 استكشف البادية الشامية تشارلز داوتي الذي يدعى (أعظم مستكشفي بلاد العرب) وتدشن الخرائط التي رسمها كارل ريتار في عام 1852 الفترة الثانية التقليدية للاكتشافات في بلاد العرب وكذلك الخريطة التي رسمها الدكتور ريتشارد كيبرت عام 1893 التي تعتبر من العلامات الفارقة للاستكشافات التي حدثت في بادية الشام, وقد اعتمد هذا اعتماداً كبيراً على الخرائط الاثنتي عشرة التي رسمها العقيد تشسني ولكن لا تخلو خريطته من بعض الأخطاء فقد ذكر قصر الحير باسمين مختلفين وقد وضعه في مكانين مختلفين.‏

وفيما بين عام 1908 وعام 1915 أضاف ثلاثة رحالة من نوع مختلف إلى تاريخ ووثائق استكشاف البادية الشامية وهم الويس موسيل وجيرترود بيل والعقيد ليتشمان ويشتهر موسيل باتساع رقعة رحلاته وبصفته استاذ الدراسات الشرقية في براغ, كانت جامعته تدعمه وقد زودته مؤسسة الجغرافيا العسكرية في فيينا بالمعدات العلمية الضرورية لإجراء بعض رحلاته , وقد سافر حوالى سبع سنين بصبر وأناة, جيئة وذهاباً حول بادية الشام وشمال بلاد العرب ثم أتبع هذه الرحلات بجولة في منطقة البتراء دامت سنتين ولم تبق منطقة من المناطق إلا وقد زارها وتعرف عليها ابتداء من طرف تدمر الشمالي حتى شمالي نجد, وفي إحدى المرات رافقه الأمير (سكتوس) أمير بارما وذلك في صيف عام 1912 وتجولا معاً في الصحراء الصغرى وفي جزء من منطقة ما بين النهرين.‏

وعناوين كتبه تدل على مدى الرحلات التي قام بها موسيل مثلاً كتاب: البتراء العربية, شمال الحجاز, الصحراء العربية (أي الصحراء العظمى) أواسط نهر الفرات وتدمر وشمال نجد.‏

وتعتبر جيرترود بيل المرأة الوحيدة التي سافرت في طول بادية الشام وعرضها دون أن يصاحبها أي رجل من أوروبا, وكان اهتمامها الرئيسي ينحصر في عالم الآثار, وقد قامت بدراسات مستفيضة في بعض الأمكنة ذات الأهمية الأثرية مثل قصر الأخيصز, ولكنها كانت مهتمة بالجغرافيا أيضاً.ونظراً لعلاقاتها الودية مع البدو, فقد عينت بوظيفة في السلك الدبلوماسي في بغداد, وبعد الحرب أصبحت أمينة سر المندوب السامي البريطاني في بغداد وضابطة الارتباط ما بينه وبين الملك فيصل.‏

أما العقيد ليتشمان, فقد قام بمعظم رحلاته لأغراض سياسية, عندما كان يقوم بالأعمال الرسمية في العراق, وقد درس اللغة العربية في دمشق منذ عام 1910 لكي يستعد لرحلة إلى أواسط بلاد العرب.وتتطرق كريستينا غرانت إلى الرحالة الألماني كارل رتهارد رضوان, وتحت الغطاء المعتاد للرحالة الاهتمام بالخيول العربية وكان كارل الرضوان منجذباً بشدة إلى المسافات الفارغة البيضاء على الخرائط, وبالبدو الرحل الذين يتجولون دون انقطاع عبر البادية, وقبل بدء الحرب العالمية بثلاث سنوات.‏

وبعدها في عام 1926 عاش وحارب وغزا وهاجر مع عرب الهولة, فقد ركب خيولهم الحربية وجمالهم السريعة, ورافق شيوخهم في سيارات الحرب, وقد كتب كارل رضوان كتاباً عنوانه (الخيام السود في بلاد العرب) وصف فيه عادات البدو وتقاليدهم, وخصوصاً خيولهم وجمالهم, وقد كتب عدة مقالات في الصحف والمجلات عنهم, والصور الفوتوغرافية التي صورها أثناء تجواله كانت فريدة, وقد وصف مغامراته الكثيرة أيضاً.‏

وتقدم غرانت في كتابها نبذة عن أربعة مراكز هامة في سورية وما بين النهرين, وعن عدد القوافل التي تنتقل سنوياً ما بين سورية ومنطقة ما بين النهرين, وعن أحوال التجارة في الصحراء وتجارة القوافل, وعن حالة القوافل التجارية في القرن العشرين وعن أساليب وكيفية السفر عبر الصحراء والصعوبات والأخطار عبر الصحراء, وأفردت فصلاً بعنوان (أحد عشر قرناً من الخدمات البريدية) كذلك عن عصر النقل الآلي.‏

الكتاب ترجمة: خالد أحمد عيسى وأحمد غسان سبانو, صادر عن دار رسلان - دمشق في 246 صفحة‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية