تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إلى ا لراحل محمد جومر

آراء
الأربعاء 27/8/2008
جلال خير بك

رحل محمد جومر وترك لنا هذه الدنيا التي أحبها إلى أبعد الحدود.. وإرثاً كبيراً من علاقات المودة التي فاضت على محبيه..وقلائل مثله الذين تمتعوا بمحبة الناس.

وقلائل هم الأشخاص الذين تعلقوا ببلداتهم مثله..فقد كان يقسم وقته ما بين دمشق ودير عطية حيث كان يمضي جل أيامه...وهنالك في تلك البلدة الغافية على تخوم القلمون كان يكتب ويعمل حتى لتكاد تكون معظم أعماله منجزة هناك.‏

وحينما كتبت ذات مرة عنها (دير عطية) أمدني بمعلومات ووقائع مهمة أغنت مقالتي تلك..وشرح لي بفرح غامر روح التعاون والتفاهم والتكافل التي تشمل جميع سكانها.. وفصل أكثر عند حديثه عن الجمعية التي تتولى كافة الشؤون الاجتماعية والخدماتية والحياتية فيها.. وكيف أنها -الجمعية- أنشأت مشفى ومركزاً ثقافياً ووسائط نقل داخل المدينة وإلى خارجها..‏

وتحدث بفرح عن روح المسؤولية التي تتأصل في المغتربين من هذه البلدة والذين لا يبخلون بشيء في سبيل نهوضها وتطورها.‏

وحينما تطرق حديثنا إلى أوابدها وآثارها قال لي: في هذه المسألة سأزودك بما لا ينتهي من الوثائق والحقائق, على أن نفرد لها موضوعاً خاصاً.‏

لقد كان تعلقه بدير عطية كبيراً .. والحق معه, إذ أن هذه البلدة النامية استطاعت بجهود أبنائها من مغتربين ومقيمين ومن مسؤولين وسواهم أن تحقق تطوراً هاماً أعطاها صفة العصرية التي نفتقدها في العديد من مدننا حتى أنه رحمه الله وافقني الرأي في أن كل مسؤول أو مواطن عندنا لو قام في بلدته بما قام به الناس في دير عطية, لغدت هذه المدن جنة!.‏

بهذه الروح الجماعية الايثارية عاش ونشأ الراحل محمد جومر أديباً وكاتباً تعرفه المشاهد الثقافية والإذاعة السورية التي قضى فيها شطراً كبيراً من حياته, منذ يفاعته وحتى رحيله.‏

وليس سراً أن معظم ما أنجزه الراحل أدبياً وفنياً, كان في أحضان (دير عطية) التي منحته الراحة والهدوء وأسباب الإبداع في مناحيها المتعددة..‏

فنشأ يحب الحق لك وله وللآخرين, فلا يتنازل عنه أبداً مما زاد في محبة الآخرين له وثقتهم به.‏

تعود معرفتي بالفقيد إلى بداية السبعينيات يوم كنا نتحلق شلة واحدة في مرسم الفنان فايز نهري خلف نادي الشرق..وكان ذلك المرسم بمثابة بيتنا الذي يتجمع فيه الإخوة..ولعل من فضائل وجوده بيننا أنه قليلاً ما تدخل في ( مماحكاتنا) عن الأدب والفن والحداثة! رغم أهليته لذلك فقد كان يحب أن يعيش يومه كما هو..وأن يغرف من هذه الحياة القصيرة كل ما يمكنه من السعادة.‏

بعض أفراد الشلة غادرنا في رحلته الأبدية أمثال الشاعر ممدوح عدوان ومصطفى عابدين وقيس اسماعيل وبعضهم مازال يعيش, أمثال سعيد عبد الله وأكثم زينو وفايز خضور وفايز نهري وسواهم.‏

التقيت المرحوم محمد جومر منذ شهور في نادي الصحفيين بدمشق إذ كان أحد أعضاء مجلس إدارة الجمعية السكنية للصحفيين..وقد عمل جاهداً مع زملائه ليعيدوا لها ألقها التعاوني..وسعى بدأب ليفعّل عملها فيحصل كل واحد من الزملاء الأعضاء, على مسكن يؤويه مع أسرته.‏

يومها في النادي لم تكن تبدو عليه بوادر المرض, وكان يحيا حياة طبيعية ..وكعادته حين يعود إلى (دير عطية) تطول مدة إقامته هناك فيخيل إلينا أنه ينجز مسلسلاً إذاعياً أو برنامجاً مميزاً.. لكن النبأ الأخير جاء صاعقا لكل أصدقائه وأصحابه..إذ ما كان أحد منهم يشك في أنه سوف يظهر في النادي بغتة وعلى عادته باستمرار!.‏

وبرحيله لا نفتقد الصديق والزميل الإعلامي فقط, بل نفتقد واحداً من شلتنا أحب الحياة وغنى لها.. وأحب الناس- كل الناس- وأجمع عارفوه على أنه عاش حياة صادقة يدرك فيها حقه وحق غيره.. إنه واحد من الذين لهم أياد بيضاء على مسيرة الإذاعة السورية وله إسهامات متعددة في مجالات الإنجاز الأدبي والفني والإعلامي.‏

رحل الفقيد محمد جومر, وبقي ما قدمه للناس من محبة واحترام, ولعل هذا يكفيه..وللحق نقول:إن رحيل الشاعر محمود درويش قد صرف الأقلام إلى نعي قامة شعرية كبيرة..الأقلام التي لعلها تخبئ في مدادها كلمات لم تقلها لمحمد جومر بعد.‏

أيها الراحل العزيز: إننا نفتقدك ونقدم عزاءنا لأهلك وأهل دير عطية التي أحببتها والتي فقدت عزيزين علينا, أنت والزميل الصديق أسامة دعبول..‏

ولا نقول لكما وداعاً بل إلى اللقاء, فنحن جميعاً على هذه الدرب سائرون.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية