تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية

دراسات
الأربعاء 27/8/2008
علي سواحة

لن نبالغ إذا ماقلنا:إن المحكمة الجنائية الدولية تمارس سياسة الكيل بمكيالين مع قضايا تبدو في ظاهرها متشابهة رغم أن وقائعها ونتائجها مختلفة تماماً عن بعضها البعض, ولاسيما فيما يخص الشأنين العربي والإسلامي.

فالمحكمة التي لم يمض على تشكيلها سوى ست سنوات فتحت على امتدادها أربعة ملفات ولم تغلق إلى اليوم أياً منها , كما وجهت تهماً لاثني عشر شخصاً لم تتمكن من اعتقال نصفهم وهي اليوم وفي واحدة من أخطر تعدياتها الخارجية لصلاحياتها على سيادة الدول وأشخاص رؤسائها وجهت أول مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير, الأمر الذي يطرح سابقة مثيرة للجدل لا تتوقف عند حدود القانون الدولي بل في النظام الأساسي لهذه المحكمة التي باتت كغيرها من المؤسسات الدولية ألعوبة بيد القطب الأميركي ومطية لخدمةمخططاته ومشاريعه الهدّامة.‏

فلو عدنا إلى أبرز القواعد القانونية الواردة في نظامها الأساسي لوجدنا أن مادتها الخامسة تنص على أن اختصاصها في المحاكمات لمن يرتكبون إحدى الجرائم التالية:‏

1- جريمة الإبادة الجماعية سواء قتل أعضاء أو جماعة أو إلحاق الضرر الجسدي والمادي بهم ,إضافة إلى جرائم الحرب وفقاً للمادة الثامنة منها وما يلحق بها من انتهاكات خطيرة للقوانين والأعراف المطبقة في الصراع الدولي المسلح وتهجيرهم بما فيها نقل السكان المدنيين من مكان تهجريهم إلى مكان آخر خارج أرضهم ووطنهم.‏

ثانياً جريمة العدوان بحق شعب واستلاب أرضه وتهجير أبنائه خارج موطنهم الأصلي, وفي ضوء هاتين المادتين نستطيع أن نؤكد أنه بموجب النظام الأساسي لهذه المحكمة, وفيما يخص ما وجهته للرئيس السوداني بأنها اتبعت أوجهاً سلبية لسير عملها ناهيك عن خطورة التهمة حيال رئيس دولة مستقلة, وذلك لسببين هامين : الأول: إن قرار المدعي العام للمحكمة إضافة إلى صلاحيتها هو في غير محله, فملف قضية دارفور موضوع الاتهام كان قد أحيل إليها من مجلس الأمن الدولي في العام 2005 بالقرار 1593 وفي وقت تفرض فيه اتفاقية روما أن تكون أي حالة من هذا النوع قائمة على قضية تهدد السلم والأمن الدوليين, أي قضية نزاع دولي بين طرفين, وهذا بالطبع لا ينطبق على حالة دارفور التي هي قضية وشأن داخلي سوداني, أي أن دارفور ليست حسب اختصاص المحكمة الجنائية الدولية, قضية خارجية طرفا النزاع فيها دولة غير السودان بل هي قضية داخلية بامتياز, وإلا لماذا هذه المحكمة لا تقحم نفسها في قضايا مماثلة في كشمير والشيشان ومجارز إسرائيل سواء بحق الشعب الفلسطيني أم حيال شعب لبنان.‏

كما أن الكلام السابق الذي صدر عن المدعي العام لهذه المحكمة في شباط من العام الماضي كان الاتهام موجهاً ضد الوزير السوداني أحمد هارون وأحد قادة ميليشيا الجنجويد علي كوشيب بأنهما المسؤولان الأكبران عن كل جرائم دارفور ما بين عامي 2003و2005 فكيف تغير الحال إذاً بهذه السرعة لتوجيه الاتهام إلى مقام الرئيس عمر البشير وعلى أنه هو المسؤول الأكبر عن جرائم دارفور منذ العام 2003 , ثم إن قرار المحكمة الدولية الجنائية يخالف صلاحية المحكمة بحد ذاتها, إذ إن قرار المدعي العام فيها يوجه ضد مواطن يتبع لدولة لم توقع اتفاقية روما لعام 2002 لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 12 من اتفاقية روما بعدم صلاحية المحكمة تجاه المواطنين الذين يتبعون دولة لم تصادق على الاتفاقية والسودان من بين هذه الدول التي لم تصادق على اتفاقية روما.‏

كما أنه لو سلمنا جدلاً أن العضوية في هذه الاتفاقية أي اتفاقيةروما ليست شرطاً أو مانعاً لتطبيق بنودها فلماذا والحال كذلك لا تطبق على الجنود الأميركيين والإسرائيليين الذين يرتكبون جرائم حرب في العراق وفلسطين ولبنان? وهي الاتفاقية أيضاً التي رفضت واشنطن وإسرائيل المصادقة عليها.‏

إذاً ما الغاية من هكذا قرار سياسي مخالف لبنود المحكمة الجنائية الدولية? والجواب على ذلك يتمثل في أن المسألة الأولى تتعلق بشخص الرئيس السوداني عمر البشير, فهو الذي قاد بلاده إلى مواقع أكثر نماء وبناء وحضوراً على الصعيدين الاقليمي والدولي وذلك بهدف إقرار السلام في بلده رغم العقبات التي يواجهها محافظاً على استقلاليته من التبعات الأجنبية وعدم الاندماج في أتون مشاريع تسهل للمستعمر الجديد السيطرة على مقدرات السودان وثرواته التي لا تقدر بثمن.‏

إن قرار المحكمة الجنائية الدولية يهدف بالطبع إلى تأجيج الصراع الداخلي في السودان وليس العمل على وأده, ولعل تداعيات ذاك القرار ستكون بالتأكيد على الوضع في دارفور تحديداً وبدلاً من أن يكون في سياق المسالمة لبداية حل فسيكون بالتأكيد بداية للتفجير من جديد لكن على مساحة أكبر مما هي عليه في دارفور لتقويض أركان السودان ومقومات وحدته وسيادته, وكما سيكون السودان الضحية الأولى لذاك القرار الدولي الجائر فستكون قوات السلام الأفريقية الضحية الثانية له.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية