تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مسلسل الوعود الكاذبة

دراسات
الأربعاء 27/8/2008
د.جهاد طاهر بكفلوني

تشبه المفاوضات التي تزعم إسرائيل أنها راغبة في استمرارها مع الجانب الفلسطيني كتاباً محدوداً من حيث عدد الصفحات لكنه متبع بشروح وتفسيرات وتأويلات لا يمكن إحصاء عدد أجزائها وصفحاتها, وعلى متابعي هذا الكتاب ليفهموا محتواه وفحواه أن ينصرفوا عنه إلى شروحه ليجدوا فيها ضالتهم المنشودة.

ونظراً لاحتواء هذا الكتاب كماً ضخماً من الشروح فقد استعانت الحكومة الإسرائيلية بعدد من الخبراء المختصين في محاولة منها لفك رموزه, وقد توصلت إليهم بعد الإعلان عن مسابقة تمت فيها الإشارة إلى النعيم الكبير الذي سيحظى به كل من يفلح في تفسير مضمون كتاب المفاوضات, وأحست إسرائيل بالحرج الشديد وبدأ القلق يساورها عندما مرّ الوقت مسرعاً ولم يتقدم أحد من الطامعين في الجائزة الإسرائيلية وهي هنا جعبة ملأى بالمديح المعسول من جانب إسرائيل لذلك الذي نذر نفسه خدمة لأهدافها ومعروفة تلك الأهداف.‏

وعندما اقتربت إسرائيل من حافة اليأس فوجئت بعداءة خفيفة الحركة تسابق قدماها الريح وهي تندفع بكل ما تملك من طاقة لخدمة الأهداف الإسرائيلية , لا تسأل لا أجراً ولا ثواباً, همها كله الفوز برضا إسرائيل وإغداق الثناء على أياديها البيضاء وهذه العداءة مغرقة بالبياض لذلك يسرها تقديم المزيد من الأيادي البيضاء لإسرائيل .‏

كانت تلك العداءة وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الآنسة خفيفة الظل ( غوندا ليزا رايس) التي أدمنت عشق منطقة الشرق الأوسط وفق قاموس السياسة بالطبعة الأمريكية.‏

فصار الانتقال إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بالنسبة إليها أسهل من الانتقال من ولاية أمريكية إلى ولاية أخرى, وها هي الخارجية الأمريكية تعلن أن الوزيرة حزمت حقائبها استعداداً لجولة جديدة من الزيارات المحببة إلى قلبها , والمعزوفة نفسها ستتكرر وبالأوتار الممزقة نفسها, وهل لدى الآنسة (رايس) إلا مزيد من الوعود للفلسطينيين أن دولتهم الموعودة المنتظرة سترى النور عما قريب ومصطلح عما قريب بات مفهوماً من قبل الفلسطينيين ويعرفون أن معناه الانتظار إلى أجل غير مسمى, فالوزيرة العتيدة كاذبة مع الفلسطينيين ما سمح لها الكذب, لكنها مع الاسرائيليين تحرص على الصدق حرصها على الاستمرار في منصبها الذي لا تخفي رغبتها في الاستمرار فيه أجلاً طويلاً.‏

تقول للاسرائيليين إن أمنهم من أمن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها, وبلادها على استعداد دائم لتزويد الكيان الصهيوني بالمنظومة الأمنية المطلوبة خوفاً على هذا الكيان من (القوة) الفلسطينية المتعاظمة يوماً بعد يوم.‏

ويتم الحديث هذه الأيام عن تجريد الدولة الفلسطينية من الأسلحة الثقيلة, ومنعها من عقد تحالفات عسكرية مع دول أخرى وبقاء قوات من الجيش الإسرائيلي على امتداد نهر الأردن والمعابر, وقد اصطلح على تسمية هذه المطالب الإسرائيلية (بالوثيقة) التي نوقشت في جلستين للمجلس الوزاري الإسرائيلي وقد أشرف على وضع الوثيقة رئيس الوزراء الإسرائيلي (ايهود اولمرت)‏

لقد سبق الحرص على تجريد الدولة الفلسطينية من القوة العسكرية التي تثير قلق الجانب الإسرائيلي حرصاً على تجريد الفلسطينيين من كلّ مقومات الحياة, فالحصار المفروض على قطاع غزة مستمر حتى إشعار آخر, في محاولة يائسة من إسرائيل لتركيع الشعب العربي الفلسطيني الذي يصرّ على معانقة نور الحياة, وما زال يمتلك القدرة على التنفس من ثقب الإبرة الذي تسعى إسرائيل لتضييقه يوماً بعد يوم.‏

وإذا كان الإسرائيليون ينتظرون وصول (رايس) على أحر من الجمر في الخامس والعشرين من شهر آب الجاري حيث ستلتقي رئيس السلطة الفلسطينية ( محمود عباس) وكبير المفاوضين الفلسطينيين (صائب عريقات) ووزيرة الخارجية الإسرائيلية (تسيبي ليفني) , فإن الفلسطينيين قد غسلوا أياديهم من هذه الزيارة قبل أن تتم , لأنهم باتوا على قناعة أنها لن تكون إلا حلقة ممجوحة من مسلسل الوعود الأمريكية الكاذبة وهو مسلسل ممل بالمقاييس كلها, وليس لدى (رايس) شيء جديد تتحف مضيفيها به هذه المرة.‏

وإذا كان من حدث سيرافق جولة (رايس) إلى المنطقة هذه المرة فسيكون مزيداً من الإيمان الراسخ لدى أبناء الشعب العربي الفلسطيني أن عليهم أن يديروا ظهورهم للوعود الأمريكية الفارغة, وأن يعملوا دون كلل وملل على رصّ صفوفهم وحشد إمكاناتهم انطلاقاً في درب مسيرة استرداد الحقوق المشروعة, وهو درب طويل , لكنّ الفلسطينيين سيمضون فيه وسينتزعو ن حقوقهم التي لن يتخلوا عنها ما دامت أنفاسهم تتردد في رئاتهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية