تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التحولات الكبرى معادل طبيعي للمواقف العادلة

دراسات
الأربعاء 27/8/2008
بقلم: د.أحمد الحاج علي

دعونا قبل أي اعتبار نكرس القاعدة التالية, لايحدث شيء من فراغ ولايؤول تفاعل إلى فراغ, وفي عالم الأحداث السياسية تتوحد الضرورة مع منطق الأحداث عبر تطبيقات هذه القاعدة,

وكثيراً ماتوضع الأحداث على خانة الحال المفاجئ لكن الأمر في جوهره ليس على هذا النحو فما من مفاجأة في الحياة ولاسيما في الميدانين السياسي والاجتماعي, غير أن الغياب المتكرر والمزمن عن خط الحدث من جهة والارتهان لمعايير القوة المادية الصماء من جهة أخرى كل ذلك يؤدي إلى نوع من انحراف الرؤية‏

واختيار التقديرات المغلوطة المنقطعة عن مقدماتها والضاربة عادة في الخواء السياسي المبرمج, أقول هذا الكلام والعالم بكل فاعلياته السياسية والإعلامية يتعايش بلاتردد وبدرجة عالية من التداخل مع الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى موسكو, ولعلنا نلاحظ مباشرة أن الإيقاع نفسه حدث في زيارة الرئيس الأخيرة لفرنسا عبر مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط, والزيارة الراهنة هي بصورة أساسية مواقف بعضها يخضع للتقويم والمراجعة والبعض الآخر تستوعبه أساسيات العمل المتوافق والمشترك مع روسيا الاتحادية والبعض الثالث وهو الأهم يستثمر كمادة حيوية لتأويلات خطرة وصعبة, رأينا نماذج منها خلال التعاون العسكري السوري الروسي على قاعدة المصالح المشتركة والمدى الحيوي لكل من البلدين في المنطقة, والآن تكتشف السياسات الغربية أهمية الموقع السوري على خط الحدث تماماً كما هي أهمية الموقع الروسي على الحدث نفسه وتحاول مراكز الأبحاث ولاسيما بعد تقرير بيكر هاملتون الذي نشر قبل أكثر من عام أن ترصد مسارات بل مسافات نوعية جديدة ليست مختلقة ولكنها غيبت عن قصد في مرحلة ما أو أنها كانت غائبة عن الفكر السياسي والقرار السياسي للغرب بعمومه وللسياسة الأمريكية على وجه التحديد, ولطالما تجسد ذلك في أهمية الدور السوري في المنطقة وقد وقع الخلل حينما تصورت مجمل السياسات الغربية الأوروبية والأمريكيةأنه يمكن القفز من فوق سورية أو عزلها أو حصارها أو تهديدها بصورة عامة, لم يكن التنبؤ قد استوفى شروطه وكان التأويل العام قد استقر على فكرتين فرضتا نفسيهما تحت ظلال الأمر الواقع, فكرة تقول إن روسيا الاتحادية وبعدانهيار المنظومة السوفييتية قد أخذت هذا المدار الذي فسرته السياسات الغربية على أنه تفكيك في الداخل وانحسار على الساحة العالمية وتراجع في العلاقات مع الوطن العربي والشرق الأوسط بصورة عامة, والفكرة الثانية هي أن سورية سوف تبدو قلقة على الأقل ضمن المناخ العربي الرسمي وآلية التقسيم المتعسف مابين اعتدال وتطرف إضافة إلى الضخ السيئ لإجراء التبديل على معايير الصراع في المنطقة ولاسيما الصراع العربي الصهيوني وماتطلبه ذلك من خيارات وتطبيقات كان الأبرز فيها هو الضغط من أجل التسليم للكيان الاسرائيلي بالأمر الواقع واستنهاض جيل جديد من معايير الصراع العربي الفارسي, والفكرتان معاً أنتجتا تياراً متشعباً ومركباً هو الذي صاغ نتيجتين خطيرتين, الأولى هوس السياسة الأمريكية واندفاعاتها عبر آلة الدمار حتى لكأن واشنطن لاتجيد سوى قهر الإرادات وشن الحروب والإهانة والاستهانة معاً بمقدرات الشعوب وقضاياها العادلة والتاريخية, وقد تكون الأحداث في روسيا الاتحادية حتى مرحلة ماقبل بوتين هي التي أقنعت حلف الناتو والسياسة الأمريكية بهذا التمادي,سواء بالتمادي نحو رابطة الدول المستقلة التي نجمت عن تفكيك الاتحاد السوفييتي إلى أن وصلت الأمور إلى درجة ابتلاع جورجيا في منظومة حلف الأطلسي وأخذ القرار بإقامة الدرع الصاروخية في بولونيا, والتمادي ذاته تحرك نحو (الشرق الأوسط) حتى لكأن السلام لايعني بالمفهوم الغربي أكثر من نشاط إعلامي وإعلاني يظهر حسب الحاجة ويختفي حسب الحاجة,لقد تبنى المشروع الأمريكي نظرية التوظيف السياسي للمنطقة العربية بكاملها من حيث واقعها السياسي ونهب ثرواتها والسيطرة العسكرية على جغرافيتها,كانت التحولات الجارية على هذا المنطق العقيم تتراكم وتتفاعل بطريقة النار تحت الرماد وهكذا جاءت الزيارة إلى موسكو متزامنة مع الحدث الجورجي بل إن هناك من حاول أن يربط بين أهمية زيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو ولقائه مع القادة الروس الشباب وقصة التفجر الذي حدث في منطقة القوقاز, فليكن, لن نرفع هذه التهمة من التداول لكن فقرات الدرس في هذه المرحلة وطريقة قيادة التحولات في الأنموذجين الروسي والسوري فعلت فعلها وقد كان بمقدور الآخرين أن يدركوا بأن روسيا الاتحادية دولة عظمى بذاتها وأن سورية العربية دولة موقف وقوة بذاتها أيضاً, الآن جاءت وقائع الزيارة لتثبت أن القرار والموقف معاً تلك لمن يصدق في مسيرته ويعمل من أجل حقه ومصالحه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية