|
قاعدة الحدث إلا أن البحث عن «الغاز» والتسابق للحصول عليه يجري في الاجتماعات المغلقة وتدور الهمسات حوله في الزيارات المعلنة والسرية لكبار رجالات السياسة بين الدول العظمى والدول ذات الأهمية من حيث الطاقة والموقع الاستراتيجي. فبعد سقوط الاتحاد السوفييتي ارتاحت الولايات المتحدة الأميركية لإنجازها وقطبيتها الوحيدة في العالم. إلا أن صراعاً آخر ظهر لها وخصوصاً أنها شعرت بزيادة النفوذ الروسي في أوروبا والمتنامي مع سعي موسكو إلى رفع حصتها في سوق الغاز الأوروبية إلى الربع فأدركت واشنطن هذا الخطر لأنها من المحتمل أن تخسر الاتحاد الأوروبي وقررت تنفيذ خط للغاز يغذي أوروبا ولايمر بالأراضي الروسية وهو خط نابكو الشهير الذي تقرر إنشاؤه سنة 2002 وليس بعد حرب الغاز بين روسيا وأوكرانيا بل قبل الحرب بسنوات.وجاءت تسمية نابكو لتعطي دلالات كثيرة فهناك من يقول إن الاسم يشير إلى ما يزعم (محنة اليهود في عهد نبوخذ نصر) وهناك من تنبأ بعد تسمية خط الأنابيب بتقسيم العراق لأجل نابكو حيث يصبح من الضروري إعلان انفصال إقليم كردستان العراق من أجل غاز الإقليم، وفعلاً احتلت أميركا العراق وعملت على اثارة الفتن فيها لتقسيمها. ويعتبر أنبوب نابكو أغرب مشروع في العالم كونه تم التوقيع على إنشائه ولم يوقع على أي عقد إمداد له حيث سيبنى الخط ثم يبحث عن الإمدادات له وحتى الآن تعتبر مصادره مجهولة فهو سيضع أزمات من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى بحثاً عن موارد للغاز. وفي عام 2009 عملت أميركا على تأجيج الأزمة بين روسيا وأوروبا بهدف فقدان الثقة بالغاز الروسي وقامت روسيا بقطع الغاز عن أوروبا لمدة أسبوعين بسبب أزمة الديون الروسية على أوكرانيا واتهمتها بسرقة الغاز عبر أراضيها وبعد أن وضعت حرب الغاز بين روسيا وأوكرانيا أوزارها تعالت التصريحات حول حرب الأنابيب بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حيث إن الأخيرة استخلصت من عبر هذا النزاع أنه من الضروري الإسراع في مد خطي الأنابيب السيل الشمالي والسيل الجنوبي خارج حدود أوكرانيا في حين أكدت واشنطن أن خط نابكو أصبح ضرورة أوروبية لضمان أمن الطاقة إلى أوروبا أما في روسيا فإن المحللين يقولون إن خط نابكو بلا مصادر غاز وأن الأميركيين يستجرون الأوروبيين إلى المشاركة في بناء نابكو. بينما تشير الوقائع إلى أن روسيا تملك احتياطياً غازياً لأجل مشروعها «الجديد السيل الجنوبي والسيل الشمالي» بينما تحتاج أميركا إلى الغاز الإيراني والأذربيجاني والتركماني وأما الغاز الإيراني فقد أصبح حلماً على الأميركيين كون واشنطن غير قادرة على شن حرب على إيران وفشلت في حصارها والضغط عليها حتى الآن بل إن إيران أصبحت قطب غاز في العالم أما أوروبا وأميركا فلا تزالان تناطحان الماء في ضغوطهم على إيران التي رفضت كل العروض المغرية بسبب وجود «إسرائيل» في المنطقة. وبالنسبة لأذربيجان فقد أدركت موسكو أن كسبها للاتحاد الأوروبي طريق من طرق الوصول إلى عالم متعدد القطبية لذلك أعلن الرئيس الروسي السابق فلاديمير ميدفيدف أن أذربيجان دولة حليفة لموسكو وفي أيار عام 2009 تم الاتفاق على امداد الشركة الأذرية بالغاز إلى شركة غاز بروم الروسية وبهذا قطع الطريق على واشنطن بالنسبة للغاز الأذربيجاني والإيراني أيضاً. ويذكر أن في نهاية 2001 قالت تقارير صحفية روسية أن نائب الرئيس الأميركي الأسبق ديك تشيني فشل خلال زيارته إلى باكو بإقناع الرئيس الأذربيجاني بإعادة توجيه توريدات بلاده من مصادر الطاقة دون المرور بالأراضي الروسية وفشلت أميركا أيضاً باستجرار الغاز التركماني إلى خط تابكو ومع إعلان روسيا أن مشروعها للغاز (السيل الجنوبي) لن يربط «إسرائيل» خاصة بعد الكشف عن احتياطات غاز كبيرة على الشواطئ الفلسطينية اللبنانية وربما تكون هذه الاكتشافات هي من سرعت بإشعال فتيل الأزمات في المنطقة، في الوقت الذي لا يمكن لواشنطن التكلم عن ربط غاز مصر ولبنان وفلسطين بخط نابكو دون سلام شامل في المنطقة وهو ما يفسر لنا أنه مع كل احباط أميركي في إسقاط سورية يكون هناك تصريح سياسي عربي بوجوب العودة إلى حدود 1967 كنوع من الضغط على «إسرائيل» المطلوب منها حل هذه المعضلة والعودة بالسلام أو الحرب الأمر الذي يظهر أن الصراع على الغاز أصبح على أشده في المنطقة العربية تحديداً فالكل يسعى إلى السيطرة على الغاز في الشرق الأوسط وشرق المتوسط ووسط آسيا خاصة أن استهلاك العالم من الغاز الطبيعي سيزيد بنسبة 57٪ وحيث يعد الغاز الطاقة البديلة عن النفط مستقبلاً. وتدرك واشنطن أن خريطة الغاز في المنطقة وهي في تركمانستان وأذربيجان وإيران ومصر والغاز الذي كانت تعلم بوجوده واشنطن فقط يقع في ساحل البحر المتوسط بين فلسطين ولبنان وقبرص وتدرك واشنطن أن السيطرة على هذه المنابع تعني بقاءها قطباً واحداً وكون الوصول إلى أذربيجان وتركمانستان صعباً كونهم أكثر ميلاً لروسيا فإن الوصول إليها سهل في حال سيطرت العجوز الأميركية على غاز المتوسط وزودت أوروبا بالغاز وأصبحت موسكو غير قادرة على شراء الغاز في آسيا الوسطى التي سترغم حينها على الدخول في النفق الأميركي ولكن الحصول على الغاز في المتوسط يحتاج إلى سلام في المنطقة والسلام في المنطقة وفقاً للشرعية الدولية سيكون بداية نهاية «إسرائيل» وأميركا اليوم واقعة في معركتها فإما الغاز أو «إسرائيل» لذلك تسعى إلى ايصال حكومات تضمن السلام مع «إسرائيل» في البلدان التي قامت بها اضطرابات ما يسمى «الربيع العربي» الذي تجد فيه أميركا ازدهاراً لمخططاتها النفطية. |
|