تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


موسكو.. مشاريع واتفاقيات إقليمية ودولية والأسواق الأوروبية أولاً

قاعدة الحدث
الخميس 13-9-2012
إعداد: منهل ابراهيم

إعلان الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيدف انتقال مشروع السيل الشمالي (نورد ستريم) من مرحلة الأفكار والمشروعات إلى الواقع العملي وتقدمه خطوة إلى الأمام كان إتماماً لفكرة الرئيس فلاديمير بوتين

بإيصال الغاز الطبيعي الروسي إلى وسط أوروبا دون المرور ببلدان الترانزيت، والجزء البحري من خط نورد ستريم يربط بين مدينتي فيبورغ الروسية وغرايسفيلد الألمانية، وشرعت ثلاث سفن بالعمل في بحر البلطيق في بداية المشروع ، وُنفَّذ المشروع على مرحلتين، الأولى تضمنت بناء خطّ بطاقة (27.5) بليون متر مكعب ، والثانية بناء أنبوب آخر يرفع طاقة شبكة الأنابيب إلى /55/ بليون متر مكعب أتمت بحلول منتصف العام الجاري وتعهدت (غازبروم) بتأمين كميّات الغاز الطبيعي اللازمة للمشروع مدة (22) عاماً وفق عقد وقعته مع شركة (نورد ستريم.أ.غ) المشغِّلة لخطّ السيل الشمالي. من الفكرة إلى التنفيذ ،بدأ مشروع نورد ستريم فكرةً أكاديميةً ساهمت في إعدادها شركات هندسية ومالية ومراكز بحوث علمية روسية، بهدف البحث عن مسارات بديلة لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا. واستمرت البحوث عامين وانتهت في العام 1999، وفي العام 2000 اعتمد الاتحاد الأوروبي المشروع البحري ضمن شبكات نقل الطاقة التي تراعي اهتمام جميع الأطراف ولكنّ الدفعة الأولى التي تلقاها (نورد ستريم) كانت في العام 2005، عندما اتفقت شركة (باسف) الألمانية و(غازبروم) على إنشاء شركة مشتركة لبناء شبكة الأنابيب وتشغيلها باسم (نورد ستريم.أ.غ)، قامت بأبحاث معمّقة لجدوى المشروع اقتصادياً، ودرست آثاره البيئية المحتملة على بيئة بحر البلطيق وتحديد المسار النهائي للخط البالغ طوله نحو /1220/ كيلومتراً عبر قاع البحر، واستطاعت الشركة مواجهة تحديات جلُّها سياسي ترفض بناء أنابيب الغاز إلى أن وافقت سلطات السويد والدانمارك وفنلندا نهائياً على المشروع مطلع العام الحالي وفي التاسع من نيسان من العام الحالي بدأ مدّ الجزء البحري من خط نورد ستريم. ويُعَدّ مشروع السيل الشمالي لنقل الغاز الأكثر طموحاً على مدى السنوات الأخيرة، وكان من الممكن ألا يتم التفكير جدياً بإطلاقه لولا المشكلات التي رافقت نقل الغاز بالترانزيت إلى أوروبا عبر أوكرانيا وبيلاروسيا .‏

تميزت شبكة نقل النفط والغاز في زمن الاتحاد السوفييتي فهي الأضخم عالمياً وربطت حقول الإنتاج في سيبيريا ومنطقة بحر قزوين ووسط روسيا مع مختلف الجمهوريات من جهة، ومع بلدان أوروبا الشرقية والغربية على حد سواء وفق تخطيط مركزي ومع انهيار الاتحاد توزعت الشبكة على دول عدة وغدت أوكرانيا وبيلاروسيا دولتين مستقلتين، ما اقتضى توقيع اتفاقات معهما لاستخدام شبكاتها لنقل الغاز إلى أوروبا وورثت أوكرانيا شبكة ضخمة لنقل الغاز يصل طولها إلى أكثر من (37) ألف كيلومتر، وتبلغ طاقة استيعاب الشبكة عند الدخول نحو (290) بليون متر مكعب، وعند خروجها من أوكرانيا تمرر (175) بليون متر مكعب سنوياً. وتملك أوكرانيا مخازن ضخمة لتخزين الغاز تحت الأرض وتستخدم روسيا هذه الشبكة لنقل نحو 80 من غازها المصدر إلى أوروبا.‏

في بداية الألفية الحالية ظهر ضعف واضح في أوضاع أوكرانيا الاقتصادية، ومع توقعات بنمو كبير على الوقود الأزرق في أوروبا بدأت تُطرح أسئلة حول قدرة أوكرانيا على صيانة شبكة النقل وتحديثها، ونظراً للعلاقات التاريخية وتكامل البنية التحتية وبالطبع إمكانات شبكة الغاز الأوكرانية، كان بديهياً أن تنظر روسيا إلى أوكرانيا كخيار أول لترانزيت غازها إلى أوروبا ولهذا اقترحت تأسيس كونسيرتيوم تحالف دولي يحمي مصالح المنتج والمستهلك وبلدان العبور،وحسب هذه المعادلة سعت موسكو إلى ضمانات في نقل كميات الغاز المطلوبة عبر أوكرانيا بأسعار وشروط معقولة، وتحصل الأخيرة على الاستثمارات الضرورية اللازمة لصيانة شبكة النقل وتطويرها، وفي الطرف الثالث تحصل ألمانيا والاتحاد الأوروبي على كامل كميات الغاز المتعاقد عليها مع روسيا في الوقت المحدد دون انقطاع وفعلياً تمّ التوافق بين الرئيس بوتين والرئيس الأوكراني الأسبق ليونيد كوتشما بحضور المستشار الألماني آنذاك غيرهارد شرويدرفي العام 2002، على ضرورة تحديث شبكات نقل الغاز في أوكرانيا وإدارة مشتركة لها يكون لكل من غازبروم ونفتاغاز أوكرانيا خمسون بالمئة من الكونسيرتيوم، وبعد أن تمّ في العام 2003 تأسيس كونسيرتيوم دولي لإدارة خطوط نقل الغاز الأوكرانية تعطل المشروع بسبب التباين الواضح في تفسير صلاحية ومهام التحالف الجديد ففي حين أصر الجانب الأوكراني على ضرورة مدّ خطين جديدين لنقل الغاز عبر الأراضي الأوكرانية تكون الإدارة مشتركة عليهما، واعتبرت غازبروم أنّ الإدارة يجب أن تكون مشتركة على الشبكة القائمة وأي مشروعات مستقبلية وتعطّل المشروع بعد فوز فريق في كييف يعتبر شبكة نقل الغاز الأوكرانية ثروة قومية لا يجوز التفريط بها، ومات المشروع عملياً في العام 2003، بعد ذلك بعامين بارك بوتين وشرويدر اتفاقاً مبدئياً وقعته (غازبروم) مع (وإيون) (وباسف) الألمانيتين لبناء خط السيل الشمالي وفي المقابل تسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه أوكرانيا منذ الثورة البرتقالية في العام 2005 في إهمال صيانة الشبكة وتحديثها.‏

ومع انتخاب فيكتور يانوكوفيتش رئيسا لأوكرانيا تجددت فكرة الدعوة إلى تأسيس كونسيرتيوم دولي لإدارة خطوط نقل الغاز في أوكرانيا وتحديثها لضمان توصيل الوقود الأزرق إلى أوروبا ويذهب فريق آخر من الخبراء إلى أنّ روسيا باتت غير مهتمة باقتراحها السابق مع بدء مدّ خط السيل الشمالي (نورد ستريم) وظهور بوادر أمل بسرعة بدء تنفيذ خط السيل الجنوبي (ساوث ستريم)، فالخطان المذكوران قادران في غضون سنوات على إيصال كميات الغاز المنقولة حالياً عبر أوكرانيا وبيلاروسيا ولعلّ السؤال المطروح حالياً في ظل تغيرات سوق الغاز الطبيعي في أوروبا هو حول جدوى الاستثمار في تحديث شبكة النقل الأوكرانية، وربما يتجاوزه إلى حظوظ كييف بالمحافظة على حجم الغاز المنقول بالترانزيت عبر أراضيها إلى أوروبا، فكلفة تحديث الشبكة الأوكرانية تتطلب حسب خبراء روس نحو (6) بلايين دولار علاوة على عدم قدرة يانوكوفيتش على تحقيق إجماع سياسي في كييف يوافق على التخلي عن جزء من شبكة نقل الغاز الأوكراني لمصلحة روسيا كما أنّ غازبروم لن تحصل على أكثر من 30% من شبكة ربّما لن تكون في حاجة ماسّة إليها، بعدما وظفت البلايين من اليوروات في مشروعيها الطموحين السيل الشمالي والسيل الجنوبي.‏

ومع محاولة غازبروم، أكبر شركة غاز في العالم، وروسيا التوسع خارج أسواق التصدير في أوروبا التي تعتمد عليها بدرجة كبيرة، وحيث تتعرض لضغوط نتيجة ضعف الأحجام وتباطؤ الاسواق الغربية وقعت روسيا واليابان اتفاقا لوضع خطط لإقامة مصنع للغاز الطبيعي المسال، بتكلفة تبلغ سبعة مليارات دولار على ساحل روسيا على المحيط الهادئ ما قد يؤجل مشروع خطوط أنابيب لتصدير الغاز للصين وكوريا الجنوبية المجاورتين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية