تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المتغيرات الدولية وعودة الدور الروسي

دراسات
الخميس 13-9-2012
هيثم عدرة

المتتبع لما يجري على الساحة الدولية يدرك حجم مايجري على أرض الواقع من تغييرات جوهرية على نطاق السياسة الدولية , والتي من أهمها سقوط نظرية القطب الواحد التي كانت تتحكم بالمجريات

وتبرمج من خلالها السياسات التي كانت ترسم بشكل أو بآخر من خلال الولايات المتحدة للسيطرة على مناطق العالم وفق مشيئتها واستراتيجياتها إن كان على المدى القريب أو البعيد .‏

الملاحظ أن جميع الحروب والنزاعات التي كانت تحدث اوحدثت كانت جميعها مبرمجة لتخدم الاستراتيجية الأمريكية وحلفائها , والذي يؤكد ذلك هو التكالب الغربي الذي حدث سابقا حيال أفغانستان أو العراق أو كما يجري حاليا من استماتة واضحة لإنجاح ماسمي ب (الربيع العربي ) والذي هو بالحقيقة شتاء عربي أو لنقل البداية في دخول العرب في نفق مظلم نهايته تدمير وجود ومقومات السيادة العربية على دولها والتدخل السافر في شؤونها وتقسيمها وتجزئتها وفق أهواء الولايات المتحدة الأمريكية وبما يخدم بالمحصلة وجود إسرائيل التي تتفرج على مايجري كون ذلك يزيدها قوة مقابل الضعف العربي والذي ظهر جليا بعدما جرى به تحت تسميات تبدو للوهلة الأولى براقة كالديمقراطية والحرية ولكنها في الحقيقة عودة إلى عصور الانحطاط والتمزق والاستعمار التي سادت المنطقة العربية في العهود السابقة .‏

عندما نتحدث عن تبدلات حصلت فعليا على نطاق السياسة الدولية , هذا يعود إلى تنامي الوعي حيال المخططات الأمريكية وحلفائها وما ترمي إليه مقابل الدور الروسي الذي بدأ يظهر واضحا بعد وصول بوتين إلى سدة الرئاسة , وهذا الأمر جعل سياسة القطب الواحد تنهار وتتراجع بسبب التدخل الروسي والصيني في جميع المجريات الدولية والوقوف أمام الغطرسة الأمريكية التي تريد أن تحول العالم بأجمعه لخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية .‏

الأمر الآخر هو أن المتابع والمراقب للواقع السياسي يدرك أن هناك خطوطاً عريضة للسياسة الروسية على المدى القريب أو البعيد والتي ظهرت ملامحها من خلال خطابات ومقالات فلاديمير بوتين الرئيس الروسي والتي كانت بالمجمل هي عناوين بارزة وواضحة للسياسة الروسية والتي بدأت تظهر إلى حيز الوجود .‏

البعض يقول أن سلسلة هذه المقالات والخطابات بمجملها موجه إلى الغرب والعديد من المحللين يرى أنها تحمل في طياتها عدة احتمالات وتساؤلات , هل هي فعلا سياسة المواجهة أم الانفتاح أم الاعتدال أم جميع هذه الاحتمالات وإيصال رسائل سريعة إلى المجتمعات الغربية عنوانها انه يجب تغيير نمط سلوكهم من الآن فصاعدا حول مايجري على الساحة الدولية، وان الموقف الأمريكي لم يعد هو البوصلة إن صح التعبير في جميع مايجري من أحداث على الصعيد الإقليمي والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه كيف تنوي موسكو بناء علاقاتها مع الوطن العربي منذ الآن فصاعدا ؟.‏

إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعاد للأذهان من خلال تصريحاته المتتالية مكانة روسيا تاريخيا , وإن هذه المكانة هي الأساس في التعاملات الدولية من الآن فصاعدا , فالدور الروسي القوي والفاعل على النطاق الدولي في جميع المسائل سيكون ظاهرا وواضحا إن كان عبر المؤسسات الدولية أو الأمم المتحدة أو عبر المعطيات الاقتصادية, فالاتجاهات الأساسية للسياسة الروسية الخارجية تعتمد على تفعيل الدور الروسي وبقوة في المحافل الدولية , وأهداف السياسة الخارجية الروسية تنطوي على طابع استراتيجي وتعكس مكانة روسيا الفريدة على الخارطة الاستراتيجية العالمية ودورها في التاريخ وفي تطوير الحضارة بمجمل تفاصيلها , والأمر الآخر هو دعم وتدعيم الأمن العالمي على أساس الاحترام المطلق للسيادة الوطنية لكل دولة والسعي إلى التعاون ورفض المجابهة , وكذلك المواجهة الفعالة للتحديات, مثل انتشار الأسلحة النووية والنزاعات والأزمات الإقليمية والإرهاب وخطر المخدرات.‏

لابد من القول إنه من خلال العناوين التي تحدثت الصحافة سابقا وحاليا حول مايجري من أحداث على النطاق العالمي أو الإقليمي كان الموقف الروسي واضحا وجليا قوامه أن التدخل الخارجي فيما يجري في المنطقة العربية أمر غير جائز , لأن تمرير المخططات بحجة الديمقراطية والحرية امرمرفوض من الآن فصاعدا , فالسيادة الوطنية لكل دولة هي الأساس ويجب عدم التدخل بشؤون أي دولة, وخصوصا أن الولايات المتحدة تستخدم (القوة الناعمة ) لتحقيق أهدافها الجيوسياسية أي إثارة الحروب والنزاعات عبر تغيير الأنظمة بما يحقق أهدافها الجيوسياسية ويحقق أهدافها على المدى القريب أو البعيد , لذلك كان الموقف الروسي واضحا بأن ماتقوم به الولايات المتحدة من تدخل في شؤون الدول هو بالنهاية يؤزم الواقع الولي ويؤثر على السلم والأمن الدولي .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية