|
دراسات وفي المفترقات الصعبة في كل تاريخ الأمم تبقى الحكمةُ تشيرُ إلى حقيقة أن النصر يمكن أن يكون بطرق متعددة ولن يكون من طريق واحد وحسب, وكذلك الغايات والمبادئ يمكن الوصول إليها بعديد من الطرق والمجالات, إلا إذا كانت الدوغما هي المحرك الرئيس للعقل وهنا سنكون أمام عقل مقفل محكوم عليه بالاحتجاز ويمكن أن نسميه بمصطلح عابد الجابري العقل المستقيل. وحين تصل الأحوال إلى سيلان نهر الدم على أرض الوطن الواحد فلا يبقى الطريق فقط من بوابة امرئ القيس حينما ذهب إلى آسيا الصغرى يستقوي بالروم على أبناء عمومته كي يستعيد ملكاً أو يحاول. إن العقل العاقل والفاعل والحاضر والمشتغل لن تصعب عليه الأمور مهما تفرّعت خطوراتها ومهما امتدت أفقياً نكباتها أو عامودياً في جسم الوطن فهو القادرُ على أن يبقي زمام الأمور بيديه وعصا الرّبانية كذلك فيُحسن اختيار المسالك في أكثر الطرق وعورةً نحو أفضل الحلول. والعقل المقصود هنا ليس عقل الفرد منا مهما كانت مسؤولياته بل العقل الوطني والجمعي الذي فرضوا عليه أن يطفو على سطح بركة الدم في سورية الغالية وهو أيضاً العقل الوطني الذي لن يقبل أن تكون ساحات البلد وشوارعها وأوابدها ميداناً لحرب الأغيار أو ميداناً لمطامع الصهاينة في استحضار سايكس بيكو جديدة وقد مضى على الأولى القديمة ما سيصل إلى قرن من الزمان وفي كل قرن من الطبيعي أن تفكر الدوائر الأمروصهيونية بماذا تفعل على أرض العرب لكي يبقى المزيد من التفكيك والتفتيت ممكناً وفي هذا السبيل يهدفون خلق الإمارات المتنافرة المتخاصمة بما نستعيد معه صورة أمراء الأندلس ولو كان الإسلام السياسي واجهة لهم فهم ليسوا حريصين على الإسلام لكي يقيم إماراتٍ له بمقدار حرصهم على أن الإمارات الإسلامية ستكون هي الطريق الوحيد الذي يبرر إقامة الدولة اليهودية ويسوغ طرد عرب 48 منها. ومن عجب العجاب أن العرب يتمتعون بسمة أنهم لا يرون بعين استراتيجية تستطيع الوصول إلى ما وراء الظاهر وتكشف عن خفايا التكتيك الذي يقدّم لهم والبادي منه بأن فيه مصلحتهم خاصة حينما يقدمونه تحت راية الخلاص من الاستبداد أو من أجل المزيد من الحريات والأكثر غرابة أنه يوجد في العرب من يقتنع بأن العدو يمكن أن يمنحه الحرية. كنت أعتقد وما زلت بأن الأزمة في بلدنا لها مستدعياتها الكثيرة وتتطلب منا هذه المستدعيات التبصُّر العميق:سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وأخلاقياً حتى تتحدد لكل ذي عقل الدوافع الأهم وطنياً وجبهوياً وسياسياً التي يجب أن تبقى سيدة الموقف في أي عملية تحريكٍ للعقل الوطني نحو حل مؤقت أو نحو حلولٍ مستدامة فالمهم أن لايفرض علينا الطرف الأمروصهيوني ومن معه من الجامعة اللاعربية أن نبقى في مربع اللاحل وأن تكون الحرب وروافد الإرهاب مشتعلة في بلدنا دوماً ولا يُسمح بتوقّفها حتى يتم تمزيق النسيج السوري ويصبح الخروج من العقد الاجتماعي والوطني التاريخي ممكناً, ثم تنتقل هذه الصورة بعد ذلك إلى لبنان والأردن طالما أنها في العراق ما زالت لم تُطفأ جذوتها بعد. وبالنهاية نرى أن المخططات المرسومة على سورية الطبيعية تقضي أن تزول جغرافيتها من خارطة المنطقة فالجغرافيا القادمة هي جغرافيا صهيوأمريكية ترسمها إسرائيل كما تشاء وتملك فيها أرض المنطقة بلا عناء. والصورة اليوم لم تعد خافية على عاقل فلا أضاليل الميديا الإعلامية المعادية هي المالكة لمفاتيح الوعي السوري ولا الأحلام الطوباوية لفئة من فاقدي الأدوار أو أدوات الخارج في داخل سورية مجديةً أو في رؤاها يمكن أن يُجترح أي حل مما يريده الشعب, ومن هنا أفترض أن تبدأ مؤتمرات وطنية عاجلة للمثقفين السوريين لمختلف الاتجاهات ليقدموا النموذج الوطني المتعقل المستنير الذي يُعلي لغة الحوار على أي لغة ويُعلي خطاب الإيمان بالآخر على كل خطاب ولا ضير إذا كانت هنالك أيضاً مؤتمرات وطنية لكل ذي صلة بالأزمة ولا سيما الاقتصاديين والأحزاب والجبهة والمستقلين والبنى الاجتماعية والدينية حتى يفور النبع الخيّر في سورية بكل ما هو ضروري للخروج من الأزمة ولوقف مخططات الخارج التدميرية ولإخراج الإرهاب من بلادنا الذي لم يجمّعوه من أجل تغيير النظام بل من أجل تدمير الوطن، والمواطن قد وقف على هذه الحقيقة. في قراءة متأنية لتاريخ الأمم تستوقفنا أزمات وحروب دامت زمناً طويلاً وبالنهاية لم تتوقف إلى حين حضرت لغة العقل وحضرت الإرادة المشتركة بوقف نهر الدم بين أفراد الوطن الواحد. وما يجب أن نفكر به اليوم جميعاً بمنطق الوعي المخلص وروح الاستقلال والسيادة هو أن نُنْشُدَ جميعاً « سورية يا حبيبتي » كما ننشد في شوارع الوطن وساحاته نشيد موطني. لم يعد يكبر في نفوسنا سوى صورة واحدة للوطن الناهض من الرماد كالفينيق ولم نعد نقوى أن نرى المخططات المعادية تنسف مقوّمات وجودنا المشترك ومصيرنا ونصمت على كل هذا. ولم نعد نقتنع بأن الذين خططوا لكي نصل إلى ما وصلنا إليه بأنهم طلاب حياة لنا وطلاب وطنية موحدة آمنة ومستقرة. إن الذين خططوا للسوريين كي يتحولوا إلى مهاجرين في كل صقع وراحلين في كل بيداء وفقراء معوزين ينتظرون المعونات الدائمة ممن سبب لهم بما هم عليه, وأفترض أن مهمة الأخضر الإبراهيمي إذا بدأت من خطوة التقاء السوريين على هدف جامع واحد تحت شعار الجميع في عقل وطني يبحثون عن حل للوطن الواحد فإن مهمة الإبراهيمي إذاً سوف تتكلل بالنجاح لأن الحل ليس من عند الإبراهيمي وليس من عند من أرسلوه, الحل فقط من عقلنا الوطني المتنور. |
|