|
الافتتاحية أحد عشر عاماً والولايات المتحدة الأميركية تمارس هيمنتها في الخارج تحت شعار حربها على الإرهاب، واستلابها الداخل تحت شعار نقل المعركة مع الإرهاب إلى الخارج. بين الداخل والخارج تداخلت العوامل وعصفت الظروف إلى حد الخلط الذي مارسته السياسة الأميركية بتفنن في محاكاة الواقع وبعجرفة في مقاربتها للوقائع التي تمخضت عنها سنوات عجاف لم يكن بمقدور أحد في العالم أن يتبين فيها الخط الفاصل بين مساحات السواد الكالحة والبيضاء المائلة للصفرة بحكم تقادم السنين. أحد عشر عاماً، حددت خلالها أميركا أعداءها وأصدقاءها، وأعطت وصفاتها الملتزمة بحرفية النص على من تجوز له الصداقة، ومن يستحق العداوة، ورسمت بين الطرفين فالقاً تاريخياً، وأحياناً وسمته ب «الأخلاقي»، وبات التفريق على أساس الموقف والمشهد. انصاع العالم للخطاب الأميركي، فيما كان الاستلاب من الداخل يفعل فعله.. ورغم تعاقب الإدارات الأميركية، لم تتعدل حالة المحاباة ولم تتغير صورة الأميركي المتحمس الدائم لمقارعة الإرهاب، وبناء عليه قدمت السياسة الأميركية صكوك البراءة والغفران، فيما كتبت على آخرين الويل والثبور. في المنطقة قربت واشنطن مَن تَفَهّم وجاهر برغبته في تحييد موقعه وفق الحسابات الإسرائيلية، وتحالفت مع من نسي قضيته وهمه ووجدت فيه مثالاً للاعتدال الذي يصلح ليكون الحليف الجديد الذي لا يستبعد مصافحة الإسرائيلي، وإذا استدعى الأمر صداقته حتى لو كان مفتياً للإرهاب أو ممولاً أولاً له وحاضناً طبيعياً لولادته. هكذا اقترنت شهادات حسن السلوك الأميركية على مدى أحد عشر عاماً، بالقبول بهذا المنطق وخلقت العدو الذي لا يجوز معه المصالحة أو المهادنة، وأصبح من المحرمات الحديث عن غير ذلك، بما تطلبه ذلك من فتاوى ومفتين. مبتدأ الحادي عشر من أيلول اليوم، يبحث عن خبره التائه في صناديق المحاسبة الأميركية، وقد جيّرت سطوتها في قيادة العالم من أجل أن تكون مغلقة لحسابها، وجعلت منها العنوان الجديد لحروب الوكالة التي تقودها عن بعد وأحياناً بالإيحاء. ومبتدأ الحادي عشر من أيلول أيضاً يناقش اليوم مسلماته الأولى، فيما الكذب الأميركي في استمرار الحرب على الإرهاب يتواصل دون توقف، وتنهال معه وإلى جانبه عشرات المعارك الهامشية، التي تتنطح لقيادتها دول وقيادات غارت في أوهامها وبالغت في ترجمة الإيحاء الأميركي. في المعركة المصيرية التي جيّرت لها أميركا أعداءها وأصدقاءها واستنفدت أغراضها منذ سنوات، تستنهض اليوم أدواتها وتعيد تركيب التحالفات بناء على مدى خدمتها للإرهاب الذي تداور النظر إليه من منطوق أميركي يتقاطع مع مصالحها، وتصفية حساباتها وحسابات حلفائها وأصدقائها والمقربين منها, ليكون الإرهاب حينها فقط وجهة نظر وربما مجرد حالة مؤقتة. تستطيع الإدارات الأميركية، باختلاف وجودها، أن تقول ما تشاء.. وأن تبني على حساباتها الجزئية ما عجزت عنه في معادلاتها الأساسية، لكنها لن يكون بمقدورها أن تخفي حجم ما استهلكته من أرصدة سياسية في ادعاءاتها بمحاربة الإرهاب، ولا أن تحجب ما ذهبت إليه من غض نظر عن ارتباط أدواتها في المنطقة بالإرهاب ومدى مساهمتها فيه، مهما حاولت تدوير الزوايا أو إعادة تبويب المفاصل الأساسية. ما يعيق فهم المنطق الأميركي المقلوب اليوم أخطر مما حضر في الماضي، وما استجد أكثر مما طوته السنوات.. وفي الحدث السوري ظهر الإرهاب بوجهه الحقيقي.. وأظهر معه أدواته.. مموليه.. قادته.. مصنعيه ومنتجيه ومصدريه والبيئة الحاضنة له.. والدور الأميركي الراعي والموجه وأحياناً المنفذ. فإذا كانت الإدارات الأميركية جميعها، قد بالغت في استغلال حالة استلاب الداخل الأميركي وعلى مقياسها تعاملت مع الأحداث والتطورات العالمية، فإن الإدارة الحالية أظهرت كل ما أبطنته الإدارات السابقة، وأكدت ما كانت قد أفصحت عنه في زلات لسان مسؤوليها وتبنت ما كان يشتمّ منه رائحة مماحكة سياسية لها غاياتها وأهدافها. وجاء الحدث السوري ليظهر بجلاء ما تبقى من زوايا مخبأة.. ومن تفاصيل مغفلة في خبر أحداث الحادي عشر من أيلول، وفيها القصة الكاملة لربيع تنظيم القاعدة الذي يزدهر هذه الأيام بتحالف معلن مع الأدوات الأميركية في المنطقة، بعد أن أفصحت أصابع إدارة الرئيس أوباما عن حضورها أصالة ووكالة خدمة لإسرائيل!!. |
|