|
بقلم:ديفيد كريغر لكن الجدير الذي قدمه المسؤولون العسكريون فكان ضمان جاهزية قوة الردع النووي الأميركية والحال أن تلك الصواريخ الأرضية المستعدة للانطلاق والمحملة برؤوس نووية تضر بقوة الردع الأميركية ولاتقويها، حيث أن مجرد نشر الصواريخ بتلك الكثافة قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة والتعجيل بفناء الجنس البشري بسبب احتمال الرد على إنذار خاطىء. والقضية هنا لاتنطوي على أي مبالغة فالصواريخ الأرضية المحملة برؤوس نووية مجهزة أصلاً لتوجيه الضربة الأولى وليس لتلقي ضربة العدو. لذلك فإنه في حالة صدور تحذير بهجوم روسي وشيك بالأسلحة النووية سيكون الحافز قوياً لإطلاق 450 صاروخاً قبل أن تدمرها صواريخ العدو على الأرض، وإذا ثبت أن الأنذار كاذب أو مزيف- وهناك حالات سابقة كان فيها الأنذار خاطئاً- وتم إطلاق الصواريخ الأميركية قبل اكتشاف الخطأ-فإننا نكون بذلك قد أطلقنا حرباً عالمية ثالثة بحيث سيكون للروس التبريرذاته لاطلاق ترسانتهم الصاروخية على أهداف أميركية قبل أن تدمرها الرؤوس النووية الأميركية. والمشكلة أن الصواريخ الأميركية والروسية على حد سواء تبقى بشكل دائم بحالة تأهب قصوى للانطلاق خلال دقائق محدودة وإن الصواريخ تصل إلى الهدف خلال ثلاثين دقيقة يتعين على رئيسي البلدين اتخاذ القرارات بإطلاقها في مدة لاتتجاوز اثنتي عشرة دقيقة بناء على تقديرات القادة العسكريين. ومع أن هذا السيناريو يبدو مستبعداً إلا أنه حاضر بقوة وهو مايفسر إجراء الرؤساء لتدريبات على اتخاذ قرار إطلاق الصواريخ النووية وهناك في التاريخ سوابق خطيرة عندما اقتربت موسكو في 25 كانون ثاني من عام 1995 من إطلاق صواريخها النووية إثر الإنذار الخاطىء الذي من أجله أيقظ الرئيس الراحل بوريس يلستين من نومه ليلاً لاتخاذ القرار. ولحسن الحظ تريث الرئيس يلتسين قليلاً ليتبين لاحقاً أن الإنذار كان لصاروخ نرويجي استخدم لتجارب جوية لا علاقة لها بالتسلح. وهنا تبرز بوضوح خطورة تلك الصواريخ. فلو أن الرئيس الأميركي قرر إطلاقها استباقاً لهجوم روسي محتمل لردت روسيا على الفور ولفقد أغلب الأميركيين حياتهم وإلى جانبهم معظم الجنس البشري mankind . وسيؤدي الدخان الذي سينبعث جراء إصابة الصواريخ النووية الأميركية لأهدافها الروسية إلى اختلالات كبرى في الطقس والمناخ العالمي وستتعرض طبقة الأوزون التي تغلف الأرض لأضرار فادحة ستقود في النهاية إلى مجاعة على الصعيد العالمي تفني معظم سكان الأرض. إن سحابة الدخان الأسود التي ستتشكل بعد الضربة النووية سترتفع إلى الأعلى بفعل حرارة الأرض مثل بالون يظل سابحاً في الهواء، هذه السحابة التي يقدر العلماء أنها ستبقى فوق الأرض لمدة عشر سنوات على الأقل، ستمنع أشعة الشمس الدافئة من الوصول إلى سطح الأرض ليدخل العالم في ظروف جوية وبيئية قاسية تشبه الحقبة الجليدية ، الأمر الذي سيؤثر بدوره على إمكانية الزراعة ونمو المحاصيل. وتكون النتيجة انتشار مجاعة عالمية تقضي على معظم الجنس البشري إضافة إلى التأثيرات السلبية الأخرى كالضرر الذي سيصيب غشاء الأوزون حيث يؤدي إلى انقراض بعض الكائنات ويشبه العلماء هذه العملية بما تعرضت له الأرض قبل 65 مليون سنة عندما سقطت الأجسام السماوية والكويكبات على الأرض متسببة في انقراض الدنياصورات، و70بالمئة من الكائنات الحية مع اختلاف واضح هذه المرة في إن سبب الهلاك لن يكون خارجياً قادماً من السماء بل سيكون فعلاً بشرياً بسبب الصواريخ النووية التي صنعها الذكاء الإنساني بدعوى حمايته وضمان استمراره. فالصواريخ النووية الأميركية لاتساهم في ضمان أمننا خاصة الصواريخ الأرضية البالستية التي يمكن إطلاقها بموجب إنذار خاطىء وأي مهتم بسلامة الكرة الأرضية والحياة البشرية ينبغي عليه الاحتجاج على إجراء تلك التجارب والدعوة الصريحة إلى إزالة جميع الصواريخ الأرضية النووية كخطوة أولى للتخلص من الأسلحة النووية. ولو أن أميركا تخلصت من تلك الصواريخ لبقي لديها 288 صاروخاً نووياً يطلق من الغواصات الأكثر تأميناً للرد على أي هجوم نووي قد تتعرض له، لكن أميركا على الأقل لن تبقي أميركا الصواريخ الأرضية التي تظل أهدافاً تغري الروس بضربها استباقاً لأي هجوم محتمل. ولايقتصر الأمر هنا فقط على الترسانة النووية لأميركا وروسيا، بل يمتد أيضاً إلى الترسانة النووية الأصغر لدى الهند وباكستان التي يحذر العلماء أنه في حال استخدامها ضد بعضهما البعض، فإنها ستقود إلى سيناريو مشابه للصواريخ الأرضية بإحداث تغييرات مناخية كبرى تحدث مجاعة على نطاق واسع. ونحن نعتقد اليوم أنه قد آن الأوان كي تكثف الشعوب والدول ضغطها على القادة السياسيين لتقليص الأسلحة النووية وإبعاد شبح الفناء عن الجنس البشري وضمان استمرار الحياة الإنسانية على كوكب الأرض. رئيس مؤسسة السلام في العصر النووي |
|