|
فضاءات ثقافية والتي صدرت منها طبعة جديدة مؤخراً, وهي جزء من رحلة مطولة قام بها إلى فلسطين «الأرض المقدسة» ثم وادي النيل وسيناء. قد لا يكون النص الذي بين أيدينا من أفضل أعماله
، ولا يقارن بها، هو في الأصل رحلة صحفية, وبمعنى أدق تحقيق صحفي كلف به من إحدى الصحف اليونانية كي يزور فلسطين «الأرض المقدسة» سنة 1926 في أعياد الفصح ثم يزور مصر في السنة اللاحقة، سنة 1927، وظهرت هذه الرحلة في كتاب نشر بالإسكندرية عام 1927 ثم صدرت منه طبعة ثانية منقحة في اليونان. يلفت النظر في هذه الرحلة ان كازنتزاكي يتحدث عن سيناء وكأنها منفصلة تماماً عن وادي النيل جغرافياً وتاريخياً وإنسانياً.. ويبدو أن رؤيته تلك متأثرة كثيراً بالتوراة التي تجعل سيناء في حالة صدام مع الوادي أو مصر.. سيناء هي المكان الذي هرب إليه موسى وأتباعه من اضطهاد حاكم مصر أو الفرعون، ومن ثم صار هناك تناقض كبير، هو يستشهد كثيراً بالأحداث كما وردت في التوراة، ورغم أنه يبدو في الكثير من العبارات والنصوص غير متدين, وقد يكون ملحداً لكنه يتبنى الرؤية التوراتية ويأخذ بنصوصها. انبهار وإذا كان قد تأثر بالتوراة في زيارته وتعامله مع سيناء, ففي تناوله لأوضاع مصر يبدو مأخوذاً ببعض أفكار الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 ويتأثر كذلك ببعض الآراء الاستشراقية حول مصر والمصريين، فضلاً عن انبهاره بما أحدثته ثورة 1919 في مصر, وكان مشغولاً بالبحث في مدى تأثر المصريين وتعاملهم مع الحضارة الأوروبية الحديثة. يظهر ذلك حين يزور القاهرة أو كما يسميها «القلب النابض بالحيوية في مصر الحديثة» ويطرح تساؤلاته حول دور مصر في «استيقاظ الشعوب الشرقية». وهنا يلجأ إلى مثقف مصري بارز لم يذكر اسمه، شرح له تاريخ مصر الحديث منذ صعود محمد علي منصة الحكم سنة 1805، ويأخذ على النهضة الحديثة أنها اقتصرت على أفراد من النخبة ولم تمتد إلى عامة الشعب، صحيح أن هناك نظاماً تعليمياً قوياً وبعثات إلى أوروبا, لكن عامة المصريين من الفلاحين ظلوا على حالهم القديم، إلى أن جاءت الحرب العالمية الأولى، وأرهق الإنكليز الفلاحين والعمال، أخذوا منهم في وقت واحد، حوالي 40 ألف عاملاً في أشغال المجهود الحربي، وأخذوا حيواناتهم وبلغ مجموع العمال الذين تمت الاستعانة بهم في سنوات الحرب، يسميها هو عن حق الحرب الأوروبية، حوالي مليون عاملاً، وتحمل المصريون ذلك على أمل أن ينالوا الحرية والاستقلال ولكن الإنكليز نكثوا بعهودهم وأصروا على استمرار الاحتلال فقامت ثورة 1919». ويذكر حواراً له مع زعيم قبطي يصفه بأنه بارع ومؤثر حول أوضاع الفلاحين المصريين والملكيات الكبيرة للأرض أو الإقطاعيين وكيف يمكن حل هذا التناقض ثم يطرح هو السؤال بصراحة: «ما وجهة نظرك فيما يتعلق بمصادرة ملكية الأرض»؟ لكن الزعيم تجنب تماماً حكاية «مصادرة ملكية الأراضي» واقترح اللجوء إلى الأراضي الموقوفة أي المملوكة للأوقاف لاستغلالها. يتحدث «كازنتزاكي» عما يسميه العالم الشرقي الإسلامي ويضع روسيا ضمن هذا العالم, وكذلك الهند والصين لمواجهة العالم الغربي والأوروبي أو الاستعماري كما يطلق عليه.. وهذا العالم يتهيأ لثورة كبرى تنهض ضد الهيمنة الأوروبية، هل يمكن أن نعتبر ما حدث في بلاد الشرق بعد الحرب الثانية نبوءة منه، خاصة في الصين «ثورة ماو» واستقلال الهند سنة 1947 ثم حركات الاستقلال في العالم العربي. |
|