|
ثقافـــــــة و بذلك ولج مباشِراً.. و لا مباشِراً.. منطقة اللعب وفق منطق (الخشبة).
هل انفلتت خيوط اللعبة من يدي كفاح الخوص عندما سأل جمهور الصالة عن سبب قدومهم إلى المسرح.. ؟ هل انفلتت لدى مواجهة إحدى الحاضرات سؤاله بسؤالها إياه (هل تريد جواباً الآن).. ؟ إن كان الرد بالإيجاب.. فهو إذاً ذاك الانفلات المقصود.. بل المشغول عليه لجهة صيد تلك الردود المتفجّرة من المتلقين.. والمفاجئة. أحدهم أجاب بقوله (لنهرب من منظر الدم). و ارتفع صوت الزميلة سوزان إبراهيم مجيباً (لأنا نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا). لوحدها، (المقّدّمة) ولّدت بين الخشبة و الصالة، (حركة).. تولّد حوار.. سؤال و جواب.. أخذ و رد.. بالمختصر.. كان أن وُجِد (التفاعل) كشكل من أشكال الحياة.. أو ليست هذه هي غاية اللعبة المسرحية.. ؟ لا شعورياً.. كانت أجوبة الجمهور تدور حول موضوعة العرض.. أو تمس جزئية من جزئياته. ربما استشفّوا ذلك من فحوى العنوان (حكاية بلاد ما فيها موت). بعد (التقديم) اللاتقليدي.. لكن المباشر.. بُدِئ بالعرض استهلالاً موسيقياً.. و ليباشر فريق العمل عرضه المعتمد تقنية (الحكاية داخل حكاية). فنحن أمام شخوص يتخذون من (ثيمة) الموت منطلقاً لقصصهم.. (ثيمة) تجمعهم لكنها تفرّق بينهم و بين أحبّتهم. و من الملاحظ أن هذا الشطر من العرض امتلأ أسئلة وجودية تنبثق كلها من (تكثيف) حالة الموت – القتل.. و سيحيلنا هذا (التكثيف) إلى اللحظة (الآنية).. سيعيد ربطنا إلى الحاصل على أرض الوطن. حكماً ستثقل مشاهد (الموت) على حالة التلقي.. فلا انزياح باتجاه التهكّم أو السخرية أو حتى خلق الضحكة التي ستصبح هدفاً يسعى إليه المجموع بعد ابتدائهم حكاية الفتى (بحر) الذي ماتت أمه.. و بسبب موتها يمضي في رحلة بحث عن بلاد لا تعرف الموت. على بساطة و سلاسة (الحدوتة) التي ينطلق منها كفاح الخوص في عمله هذا، الذي كتبه عام 2008م.. إلا أنها تذكّر برحلة بحث جلجامش عن نبتة الخلود. و بالتالي.. التذكير بموضوعة عاشها الإنسان و شكّلت هاجساً له على مرّ العصور.. متسائلاً عن سر الحياة و الموت.. الفارق فقط في القالب الفني و الكيفية الأسلوبية التي توظّف فيها الفكرة. أيضاً جزئية فيل الملك بعلول الذي يخرب و يقتل الخلق كيفما تحرّك.. تُحيل الذاكرة إلى مسرحية الكتب المسرحي سعد الله ونوس. و كي لا يغلب الطابع السوداوي الذي تلوّن به الشطر الأول من العرض.. كان أن اعتمد فريق العمل أسلوباً كوميدياً محبباً.. أصبح سمة غالبة لمجموعة الشباب شاغلي العرض.. أصبح بصمةً لكل من (كفاح الخوص: مخرج و مؤلف العمل، رغدا شعراني، الفرزدق ديوب، شادي صفدي، أسامة تيناوي، رنا كرم). ربما أُضيفت أسماء أو غابت بعضها إلا أن العقل المدبّر لهذا النمط الإخراجي للمجموعة يبدو حاضراً بحضور كل من الخوص و شعراني اللذين يشكلان ما يمكن تسميته (ديو مسرحي) لا يمل المشاكسة الإبداعية. في (حكاية بلاد ما فيها موت) تبذر الأفكار على أرض الخشبة بأسلوب رشيق.. يسعى بالعموم إلى إمتاع المتلقي و طرد ضجره.. هناك نوع من سوق الأفكار، مهما بدت جدية و مهمة، بقالب جذاب.. لافت.. عبر توظيف كامل طاقات جسد الممثل. بغالبيتهم كانوا (مؤدّين) استثمروا الجسد حركةً و الصوت غناءً. كسروا حالة الحضور أحادي الجانب.. لم ينحصروا بشخصية واحدة.. تنقّلوا و نوّعوا.. الأكثر تميّزاً في هذا الجانب كانت رغدا شعراني.. ربما بسبب مساحة دورها الأطول.. أو لأنها كانت الراوي الرئيسي للحكاية و التي قادت خط سير الشخصية المحورية (بحر – كفاح الخوص). إخراجياً.. دُعّم أداء الممثلين بحضور (إيكو) غنائي للمغنيين (حسان عمراني و نور عرقسوسي).. و (إيكو) موسيقي.. فالموسيقا لم تكن مجرد ترف سمعي.. و لم توجد لتشغل حيّزاً مكانياً فحسب، بل وُظّفت عنصراً حيوياً ساهم برسم كامل المشهد التمثيلي.. و بضبط إيقاع العمل ككل. العمل مشغولٌ بطريقة تجعله ينحو إلى منطقة (الشو - show) تمثيلاً.. غناءً.. عزفاً.. هل نجحت بصيد الدهشة.. أم هل عانت هذه الدهشة شيئاً من خفوت.. ؟ هل يعود ذلك إلى أننا لربما اعتدنا أسلوب شباب المجموعة التي اعتادت بدورها اللعب في المنطقة ذاتها..؟ بكل الأحوال.. الشباب يجتهدون.. يقدمون من اللاشيء شيئاً.. فمتى يُنظر إلى جهودهم حتى يلحقها شيء من اللحظ (المادي).. ؟ |
|