تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الإعلامية نهاد تلاوي : محبة الناس زادتني ثقة بنفسي وفتحت مجالات العمل أمامي

تجارب شخصية
الأربعاء 16/4/2008
آنا عزيز الخضر

المذيعة (نهاد تلاوي) إعلامية مخضرمة عرفت بالأداء اللغوي المتميز والفصاحة, صوتها الإذاعي المألوف وإلقاؤها السلس محفوران في ذاكرة أجيال سورية المتعاقبة, أما محبة الناس فكانت دافعها الأقوى نحو الإبداع الإعلامي والتلون في مجالاته,

حيث حفزتها للبحث عن مفردات الحضور القوي ومواكبة الجديد, والاهتداء بها دائماً,برامجها المتنوعة ا لمجالات كمقدمة ومعدة على مدى مسيرتها الإعلامية أكثر من أن تحصى, كرّمت في الكثير من المناسبات المختلفة, كما أنها في معظم مشاركاتها الإعلامية الخارجية تلقت كتب (الشكر) نظراً لتميزها في مهامها.‏

التقينا الإعلامية (نهاد تلاوي)و حدثتنا عن تجاربها والمحطات الأهم في حياتها المهنية والشخصية فقالت: نشأت في جو أسري فيه الكثير من الألفة والمحبة, والدتي إنسانة متميزة, وكانت تدفعني دوماً إلى تثقيف نفسي وحتى في الوقت الحاضر تدفعني للتعلم وتقول لي: إن الإنسان يحتاج إلى المعرفة في كل مراحل عمره كما وتبدي استغرابها إن تقاعست عن أمر ما, فالأهل بشكل أو بآخر لهم الدور الأكيد في تهيئة أسباب النجاح, وبالنسبة لي كانت أمي هي الأم والأب وقد توفي والدي وأنا صغيرة فسعت الوالدة إلى تنشئتي أنا وإخوتي في جو سليم ومريح, أما الوضع المادي فكان مقبولاً.‏

كان حلمي منذ الصغر أن أصبح مذيعة أو مضيفة طيران وقد تحققت لي الامنيتان, فبعد الثانوية العامة, عملت كمضيفة طيران جوية, حيث أطلعتني تلك المهنة على العديد من الثقافات والعادات والحضارات المختلفة وفي إحدى الرحلات قرأت عن إجراء مسابقة خاصة بالمذيعين, فقررت دخولها, بعد فحص القبول شعرت بالسعادة لأن حلمي الثاني قد تحقق وقد راودني كثيراً لأنه مجال يحمل الكثير من الجوانب الإبداعية, ومن حسن حظي أن تدريبي على يد الأمير( يحيى الشهابي) الذي قال لي وقتها: الصوت لايكفي والمذيع يحتاج إلى مقومات تضم قائمة طويلة من الشروط, أولها التدريب والثانية النطق بمخارج حروف سليمة, ويتوجب عليك الحفظ والتحضير والقراءة والاطلاع الداعم فهل أنت قادرة على ذلك? فقلت له: نعم, فأجابني محذراً: لست أستاذاً سهلاً.. وبالفعل أخضعني لتدريبات قاسية وصعبة, مثلاً كن أقرأ له أربع صفحات, فيسألني بشكل مفاجىء ماذا قرأت..?‏

فكنت أجاوبه بخوف بأنني لم أنتبه لهذه الناحية, فأرشدني بأنه من الضرورة بمكان أن يمتلك المذيع سرعة البديهة, وأن أقرأ السطر التالي دوماً لمعرفة توقيت التوقف, أما أثناء اللقاءات فقد نبهني ألا أقاطع ضيفي والانتظار كي ينهي جوابه, لأن المستمع وفضوله يتجه نحو الضيف, يريد معرفة رأيه هو ودون مبالغة ومن بداياتي الأولى وإلى الوقت الحالي وأنا أستفيد من دروسه, فالأمير (يحيى) له أسلوبه الخاص والحزم الذي لا يساوم فيه, وبعد تدريبي لمدة 6 أشهر وبالشكل اليومي, سمحوا لي بالعمل والخروج على الهواء سمعني (الأمير يحيى الشهابي) وهو متواجد في البيت فما كان منه إلا الاتصال لسحبي فوراً وقد أصر على ذلك بعدم السماح لي بالمتابعة وقال لي: أحاول أن أصنع نجمة, فالمذيع الناجح يمكنه أن يلفت النظر من خلال عمل لمدة خمس دقائق إذا تمكن من أدواته بالشكل الصحيح وهكذا لم يسمح لي بالعمل الإذاعي إلا بعد التدريب لمدة سنة كاملة, رحمه الله ولم أنزعج منه, فرغم قسوته علمني الكثير, وكنت لآخر مرحلة أطلب رأيه ونصيحته وملاحظاته.‏

بعد دخولي المجال الإعلامي نلت الشهادة الجامعيةفي كلية الحقوق بدمشق واتبعت الكثير من الدورات الخاصة بالتدريب على لغة عربية جيدة ونطق صحيح.‏

أول ما بدأت العمل الإعلامي كان عبر برنامج اسمه (وجه في الزحام) يعتمد الاسلوب الميداني وكان له الفضل في شهرتي, وطبيعة البرنامج أنني أمشي في الطريق حاملة لمسجلتي, أتمعن في الوجوه والتقط الملامح الأكثر انفعالية مثلاً ..(انسان ماش يتكلم مع حاله) آخر متضايق جداً أو سعيد جداً, وأستوقفهم وأحادثهم, فهذه اللقاءات أكثر صعوبة من تلك المبرمجة مع مثقفين,و احتمالات الإجابة هنا كثيرة وعلي أن أكون متنبهة لكل تلك الاحتمالات, إلى جانب الضرورة لإضفاء الظرافة على تلك اللقاءات مثلاً وحتى لوكانت إجاباتهم غير محببة, علي أن أبرمج نفسي حتى لا أخسر فهناك مايفرض علي.‏

إدارة الحديث بالشكل الصحيح مهما كانت الاحتمالات, أمقبولة كانت أم مزعجة, فآلية التعامل مع الناس يجب أن تتصف بالمرونة والتحاور مثلاً: التقيت بائع يانصيب, وسألته هل جربت حظك ارتبك بالجواب ثم أجابني بأنه ربح 5000 ل.س سورية أعطى لزوجته ألفين واستبقى ثلاثة معه لكنني حاولت فيه كثيراً حتى تحقق التجاوب مع ما أريد ,فاللقاءات مع أناس عاديين فيها صعوبة بالحديث والحصول على آرائهم وإقناعهم خصوصاً أنني حريصة على محبة الناس تلك التي زادتني ثقة بنفسي وفتحت أمامي مجالات عمل جديدة. أنجزت الكثير من البرامج المتنوعة في مجال التقديم والإعداد.‏

سافرت إلى دول كثيرة من القاهرة إلى باريس والخليج والهند فالسفر يعطي الثقافة ويطلع الإنسان على أشياء مفيدة له إذ وجدت في السفر متعة ولي عاداتي الخاصة أقوم بها في كل رحلة, إذ لابد من زيارة الأماكن الأثرية والسياحية لكل بلد أزوره, كما لابد لي من زيارة مدينة الملاهي الخاصة بالأطفال, ربما لأنها تعيدني إلى الطفولة ولا أذكر أنني زرت بلداً من دون أن أزور مدن الأطفال فيه وأحياناً كثيرة أجربها, وقد يجوز أننا نسعى جميعاً إلى تعويض ما افتقدناه في الطفولة, لأنه لم يكن في أيامنا الماضية كل هذه التقنيات اللافتة.‏

انتقلت إلى التلفزيون , بقيت أعمل فيه لمدة تسع سنوات, اكتسبت من خلاله خبرة كبيرة, حيث عملت عبر نشرات الأخبار الرئيسية وبرامج ثقافية وسياحية مثل (سورية الجميلة) زرنا من خلاله كافة المناطق السورية إضافة إلى برامج المسابقات. و لأسباب صحية اضطررت للعودة إلى الاذاعة فكانت أيضاً العديد من البرامج السياحية والصحية (نجوم الفن) وبرامج ميدانية كثيرة تعتمد الارتجال وهمسات الليل التي اعتمدت نثريات جميلة من إعدادي وتقديمي أنا وميشيل قوشقجي برنامج (شعر) الذي كان لي فيه أكثر من لقاء مع شاعرنا العظيم (نزار قباني) حيث أهداني مسودة شعر بخط يده احتفظ بها حتى الآن.‏

العمل في إذاعتنا عمل رائع ولابد من القول: إن العمل الإعلامي عندنا يهيئ أسباب النجاح ويعطي الفرص لتحقيق النجومية, قد لايخلق نجوماً لكنه يمنح كافة الإمكانيات لتحقيقها ويعود الأمر بالتالي إلى الفرد وقدراته, وإن كان من الصعوبة بمكان خلق النجومية الإعلامية وسط هذه الزحمة الإعلامية الهائلة, لكن الإعلامي المجتهد عليه أن يمتلك في كل الأحوال مقدرة المواكبة بالشكل اليومي والجيد ويبقى على تواصل حقيقي مع الناس فذلك يوصله إلى النجاح, ويشعرني أنا شخصياً بالسعادة فأنا راضية عن نفسي في هذا الإطار, فروح الكفاح ضرورية وأجمل لحظات الحياة يقضيها الإنسان عندما يتأقلم مع عمله ويتولد معه الطموح والذي يحتضن ذلك العمل مهما كان هناك من تعب أو ضغوطات يستلزمه تقديم الجديد والمختلف والبحث والقراءة والاطلاع والابتعاد عن الثقافة الحصرية في مجال ما ,لأن الإعلامي يحتاج حكماً إلى كل المجالات الثقافية, ففي إحدى رحلات العمل إلى إحدى الدول العربية كلفت بتقديم ندوة ثقافية تدور حول المسرح لدى الشعوب العربية, ويحتاج ذلك إلى معلومات ثقافية عميقة, فلولا إدراكي ومتابعتي لحصل إرباك معي, ورغم ذلك ذهبت إلى المكتبات واخترت كتباً عديدة عن المسرح في كل الدول العربية وكتباً عن أعلامه وأقلامه وهكذا.. فعلي أن أثبت حضوري في تلك الندوة كسورية ويجب أن أنجح في إدارة الندوة, ووصلت إلى ما أريد.‏

عن رؤيتها للإعلام المحلي وتطوره تابعت الإعلامية (نهاد تلاوي) حديثها قائلة: حضارتنا غنية ويمكننا استثمارها في هذا المجال ويمكننا أن نسابق الزمن بها كي نصل بدرجات سريعة, فالعرب هم أساس الحضارات, ولابد من القول : إن إعلامنا المحلي أنجز قفزات نوعية وأحرز تقدماً ملحوظاً في مجالات عديدة حيث استقطب الناس بشكل جميل, وهناك تواصل كامل مع آراء الناس والأخذ بمقترحاتهم وأفكارهم, وهو يتطور بشكل جيد وإذاعتنا ترضي كافة الشرائح المجتمعية نتيجة غناها وبرامجها في كل المجالات الثقافية والفنية والطبية والاقتصادية والإخبارية, فهناك انجازات متميزة, وحتى درامانا التلفزيونية اخترقت الفضائيات فقدمت كوادرها المتميزة في مجالات الكتابة والإخراج والتمثيل, ومن خلال عملي في الزاوية الطبية وجدت ثقافة صحية متميزة تنم عن حضارة طبية كبيرة على جميع الأصعدة, وأقول إن المجال الإعلامي أعطاني الكثير وأكسبني الثقافة والمعرفة والقرب من الناس وعلاقتي بالناس كانت أكثر من علاقتي بالجار والقريب, جعلني الإعلام استزيد من الثقافة, وقد تحول البحث عندي إلى هواية يومية, صحيح أنني اهتم بالزوايا الطبية والصحية ومن الطبيعي أن يكون لي اهتمام كبير للاطلاع على الحضارات الطبية ومواقع الانترنت لكن ذلك تطور معي إلى عادة يومية يدفعني فضولي المعرفي إليها, فالثقافة والمعرفة بشكل أو بآخر يسهمان في صناعة الإبداع الذي يحتاجه الإعلامي كي يكون موجوداً, إذ يقال: إن الإنسان يموت مرة أما الإعلامي فيموت مرتين الأولى عندما ينساه الناس والثانية هي الموت الطبيعي, لذلك يحتاج إلى الموهبةو(الولاء والتضحية والأرضية الثقافية لتحقيق الحضور والتواجد, فكان سعيي الدائم والاجتهاد لتحقيق النجاح وإثبات الوجود ذاك الهدف الذي يشغل ا لمرأة في مجتمعنا مهما سبب لها من تعب وشقاء وعلى حساب أنوثتها وحياتها وقد نسيت في خضم عملي أنني امرأة لكنني راضية عن عملي وعما حققته من خلاله.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية