تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عصيان الأدب بصيغة المسرح

كتب
الأربعاء 16/4/2008
ربما من المعروف عن مسرح نويل كاورد, مفارقات ما بين ارتفاع لنجمه وحماسة لفنه وهجوم عليه وازدراء له.. تلك المفارقات التي تكاد تميزه عن غيره من كتاب المسرح في العصر الحديث

.إضافة لغزارة إنتاجه سرعته الفذة في التأليف, وتعدد جوانب انتمائه المسرحي ممثلاً ومؤلفاً ومخرجاً إلى جانب مشاركاته الفنية الأخرى في عوالم السينما والتلفاز وغيرها من الأنشطة الفنية والأدبية التي دامت ثلاثة وستين عاماً من أعوام عمره الأربعة والسبعين, ويمكن إرجاع ذلك إلى موهبة صقلها سنين طوال , ارتبط فيها بالمسرح وتمرس فيها على ما يليق ومالا يليق على خشبته إلى جانب ذكاء فطري وحس مرهف مكناه من رصد روح العصر والتفاعل مع أحداثه وإبراز أهم ما شغل فكر جيله حتى أصبح في أعين الكثيرين يمثل حقبتي العشرينيات والثلاثينيات على رغم كثرة الأقوال عن كون ذلك قناعاً مفتعلاً اصطنعه كاورد لنفسه وعرفه به الجمهور والنقاد وهنا يجب توخي الحرص والحذر في قبول أو نفي هذه التسمية أو تلك, فمن المسلم به الآن أن كاورد كان يميل إلى التضاد الساخر الذي يجعل المعنى الحقيقي لما يقول يكمن في ضد المعنى السطحي الظاهر, فهناك مثلاً أكثر أغانيه انتشاراً وشهرة أغنية (الكلاب المسعورة) و (رجال إنكلترا) التي نالت حظوة كبيرة في العشرينيات وما بعدها وكان التحيز لبريطانيا والفخر بالامبراطورية ظاهرها بينما زخر باطنها بالتحقير لأبناء وطنه خارج بريطانيا , كما أن هناك ذلك التسيب السلوكي وتلك اللامبالاة الخلقية اللذين يبدوان بجلاء ووضوح في مسرحية (الدوامة) 1924 حتى تكاد تخفي الجدية والعمق اللذين تحوياهما وقد حملت تلك النزعة للتضاد كثيراً من النقاد إلى تشبيه كاورد بالكاتب أوسكار وايلد.‏

في مسرحية (هذا الجيل المحظوظ) التي كتبها عام 1939 قبل إعلان الحرب العالمية الثانية بشهور, مسرحية جادة تخلط بين الأحداث العادية والمأساوية والاضحاك المرير أحياناً, تدور المسرحية حول حياة أسرة من الطبقة المتوسطة الدنيا وتغطي أحداث المسرحية عشرين عاماً تبدأ بانتهاء الحرب العالمية الأولى وتنتهي قبيل بدء الحرب العالمية الثانية, عاكسة أهم أحداث تلك الحقبة بما في ذلك تنازل الملك إدوارد الثامن عن العرش وانتشار تعاليم كنسية العلم المسيحي وخاصة بين نساء الطبقة ذاتها ممثلة في سيلفيا شقيقة البطل إلى جانب استمرار الاعتقاد بين العامة في احتمال عدم نشوب حرب عالمية جديدة على رغم كل الشواهد مع ذكر لجهود الحكومة البريطانية في ذلك الوقت لتجنب الحرب وتأييد العامة لرحلات تشامبرلين المكوكية ومعارضة المثقفين ومن كانوا يرون في محاولات الحكومة البريطانية لاسترضاء الرايخ الثالث خيانة خلقية وخنوعاً مشيناً.‏

إن مسرحية (هذا الجيل المحظوظ) تصور بواقعية حياة أسرة عادية تعج بشخصيات تعيش في ذاكرة القارئ أو المشاهد مهما مر على قراءة النص أو مشاهدته من أعوام تحس من خلالها بالود والدفء اللذين تناول بهما (كاورد) شخوصها بشكل عام, ما ينعكس على القارئ والمشاهد ولا ننسى أن هذه المسرحية ما زالت تحظى بثناء النقاد رغم أنها لم تنجح تماماً في التحرر من مشاعر مؤلفها ورؤيته الذاتية ولا تمثل (البديل الموضوعي) الناجح لتجربة مؤلفها الفردية وعبارة (البديل الموضوعي) ابتدعها توماس إليوت »1888-1965 في مقال يدور حول مسرحية هاملت حيث يقول: »إن السبيل الوحيد لتصوير العواطف في قالب فني يكون بإيجاد »البديل الموضوعي) أو بعبارة أخرى مجموعة من الأشياء أو موقف معين أو سلسلة من الأحداث تحل بجملتها محل تلك العاطفة بعينها بحيث إنه كلما شاهدنا تلك الحقائق الخارجية التي يجب أن تنتهي في تجارب حسية وجدنا أن تلك العاطفة تثار في الحال.‏

يبدو أن طبيعة موضوع المسرحية السياسي الوطني جعلها موضع اهتمام خاص من كاورد, لذا نجده يضيف في النسخة التي استخدمها في الولايات المتحدة عام 1973 توجيهات غاية في الدقة محدداً موضعاً ما يستخدم على المسرح وحجمه وعدده محدداً أيضاً خطوات الممثل واتجاه حركته.‏

ودارس مسرح كاورد يعرف جيداً أن كثيراً من مسرحياته جاء صدى لمواقف معينة, مر بها المؤلف أو انعكاساً لشخصيات التقى بها وتركت حياتها في نفسه أثراً لم يسع الكاتب المبدع حيالها إلا أن يتناولها لموهبته ويحيلها أدباً يشاركه الآخرون في الاستمتاع به.‏

الكتاب: هذا الجيل المحظوظ »مسرحية) /‏

المؤلف: نويل كاورد, ترجمة: زينب عبد المحسن شيرازي / المسرحية صادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب / الكويت سلسلة إبداعات عالمية 2008 في 214 صفحة‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية