|
آراء وصولاً إلى الانطلاق المعاصر بدءاً من (المتراكم) وليس بدءاً من نقطة (الصفر) فالمورثات لا تلغي فعل (المحيط- البيئة) الاجتماعية فالبدء (أسرة) والخطوة الأولى لأضعف المخلوقات - الإنسان- هي الحبو في محيط الأسرة ذاتها- والأسرة (أساس المجتمع), والخلية الأولى النامية في المحيط الأكبر- نسبياً, الحارة , ومنها الحي, ومن ثم المجال الأوسع قليلاً, القرية أو البلدة أو المدينة وصولاً إلى (ما تعنيه كلمة الوطن).
أجدادنا قالوا (المربى حلو) والمقصود هنا المكان الذي ينمو فيه الإنسان يدرج على أرضيته, يباشر المعيشة فيه بأناسه- صغارهم وكبارهم - من الأب والأم والجد والجدة والخال والشقيق والشقيقة, الأقرباء والجيران والمعارف, ثم العلاقة بالمكان - الدار, الزقاق أو الشارع, والشجر والثمر والهواء والزهر والمياه من السواقي والأنهر, وإلى البحر أو المحيط وما بين هذا وذاك ملاعب المرح والطفولة وزمالة الدرس والكتاب- المعلم أو المعلمة, والمدرس أو المدرسة حتى حلاوة العقوبة (قرصة الاذن, أو الوقوف على رجل واحدة أمام زملاء الصف ورفاق المدرسة, إلى التصفيق الحار مكافأة إجادة أو لحظة إبداع على قدر ما تستوجبه الضرورة وتحتمه إمكانات مماثلة للسن والمهنة والمعرفة إذ تخترق شرنقة المتعارف عليه أو المألوف). كل هذه تأتي عبر التجربة والمعاناة والمعايشة لتتفتق عن نبع الأحاسيس وتؤطر العلاقة المستقبلية للإنسان بمحيطه وبوطنه وبالمعتقد الذي نشأ عليه مغمض العينين قبل أن يقتنع به عقلياً الأقنيم الأول للانتماء في المحيط الأوسع هو (الوطن) مجبولاً بما فطر عليه الإنسان من حب المعشر ورفض العزلة- تماماً ككراهيته الجهل والمرض والفاقة, إذ يعاني الأمرين جراءها إن كان ولد في أسرة غير ميسورة, نحن نتحدث في العموميات الآن ولكي نكون أكثر وضوحاً دعونا نجادل بالتي هي أحسن في جذر أوكنه ما تفرزه (الغدة النخامية) كما يقول الطب, ونزاوجه بالمورثات الجينية, ولكن المسألة تفتقد إلى (حيوية الروح) أضف إلى ذرتي الهيدروجين ذرة اوكسجين فلن تحصل على (الماء) إلا إن كان ثمة الشحن الكهربائي. هو ذا ما نبحث في الدلالات المنطقية للمشاعر الإنسانية عنه خاصة. أقول لكم: نحن أمام شاشة التلفاز نشاهد أو نتفرج على الأخبار .. فيها مثلاً: إن طفلاً من (اليابان) لاقى حتفه غرقاً بالصوت والصورة ورد فعل الوالدين نتأسى على الحدث, وقد نحزن ونشعر بالأسف هذا هو رد الفعل الإنساني الطبيعي, لكن الحالة ذاتها معروضة عن طفل وأسرة من (مدينتنا - عاصمتنا) فإن رد الفعل لن تكون بالقدر ذاته حيال الطفل الياباني, ما يزيد رد الفعل هنا هو (الانتماء) إنه شعور تلقائي تماماً فإن كانت درجة الحزن على الطفل الياباني ثلاثة على عشرة فإن رد الفعل العاطفي في الحالة الثانية سيكون أكثر ربما من سبعة على عشرة. فماذا إن كنا نشاهد الحدث ذاته لطفل مصري أو جزائري أوعماني? يمكن أن تتطابق النسبة العشرية مع المشاعر حيال (الطفل من بلدنا أو بلدتنا) إن كانت أقل فبنسبة ضئيلة جداً, الترمومتر المحرك هو أقنيم الانتماء (القومي) ولا نجد ضيراً في إضافة نسبة مئوية إلى جميع تلك المحصلة عبر عامل (الدين) لكنها نسبة ليست كبيرة ,في كل الأحوال ما نريد أن نتوصل إليه هو: ما مقياس الانتماء القومي, وبالمناسبة فإن القومية من (القوم. الجماعة, الأمة في المفهوم المعاصر, كما أظن ) وهي أي القومية ليست اكتشافاً أو بدعة أملتهما السياسة, بل إنها الشعور العميق بالانتماء إلى (مجموعة, قد تعد بمئات الملايين) وإن لم تكن مؤطرة في البداية العرب مثلاً في الجاهلية كانوا يتقاتلون وتغزو قبيلة منهم قبيلة أخرى لكنهم في النهاية أخذوا يعون أن ثمة ما يربطهم : اللغة والمصلحة المشتركة, والأرض, والجامع الزماني في العمق وصولاً إلى الأجداد الذين تربطهم أواصر القربى, الإخوة والعمومة والخؤولة فالأفخاذ أجزاء من الجسد العشائري أو القبائلي والانطلاق إلى الفضاء الأرحب هو الذي جعل الأمة (واحدة) عبر وعي كان للإسلام فيه الدور المركزي الحيوي, الشحنة الكهربائية التي جعلت الذرة من الاوكسجين وذرتي الهيدروجين ماء. أقانيم الانتماء والعواطف, والمشاعر (إن شئنا) تتولد بداية مع الإنسان في الرحم - الموروث هنا يلعب الدور التكويني لكن ليس كل ما كان مضمراً فيناً يحركنا بوعي ما لم نصل نحن إلى مرحلة الوعي, فالعروبة ليست بدعة وليست اكتشافاً حديثاً أو جديداً أو معاصراً, إنها في (مورثات) كل عربي, وقد تبقى دفينة إلى أن تأتيها قدحة فتلهبها وليس أكثر وأقدر من المصاعب والتحديات على (القدح) ليست الكلمة المضادة للمدح, بل لإشعال الفتيل, أما الإنكار فهو من باب (إطفاء قسري لمتأجج قد يكون وراءه دفع ثمن بعضنا غير قادر عليه وبعضنا لا يريد أن يدفعه عامداً متعمداً و بعضنا هم الأكثرية من على استعداد للموت في سبيله ليحيا هو بحياة الأمة. إن كنا أخطأنا فلنا نصيب المحاولة وإن كنا أصبنا فلنا إثابة المحاولة أيضاً. nawafabulhaija@yahoo.com |
|