تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوتار..ليتشبهن بهن ...نساء.. نساء.. نساء

آراء
الأربعاء 16/4/2008
ياسين رفاعية

نساء اليوم الموضة والبهرجة وآخر أزياء باريس ولندن وروما, نساء اليوم لا يهمهن سوء المظهر وفي الأكثرية الساحقة من النساء العربيات في هذا العصر دون المستوى بالنسبة للرجل. وما زال رجالنا يعاملونهن معاملة فوقية على أساس أنهن من الضلع القاصر.

قليلات ثرن على هذا الوضع, ولم يؤثرن حتى اليوم في تغيير نظرة المجتمع إليهن, بينما كانت المرأة العربية في صدر ظهور الإسلام وما أعقب ذلك فخورة حرة معتدة بنفسها, الأمر الذي حدا بها إلى أن ترضخ لقانون أخلاقي صارم فرضته هي على نفسها, بمعنى أنها كانت بمستوى الرجل في التعاطي مع الحياة.‏

‏‏

وبالرغم من أنها كثيراً ما كانت تُزوّج من رجل يكبرها سناً - وهذا دون استشارتها في الأمر - على الأقل في حالة زواجها وهي صغيرة - فإنها كانت وفية لزوجها وهو حي.. وكثيراً ما كانت تظل وفية لذكراه بعد موته, فنائلة بنت الفرافصة لما زُفّت إلى عثمان بن عفان وأدخلت عليه - وكان إذ ذاك قد ناهز السبعين من العمر - وضع قلنسوته على رأسه وبدا صلعه, فخاف أن يغمها ذلك. فما كان من نائلة إلا أن قالت إنها من نساء.. أحب أزواجهن إليهن الصلع - لننظر إلى هذه السيدة كم كانت عظيمة التهذيب فشدت من أزر زوجها عوض أن تدعه يسقط في الهم. دام زواج نائلة لعثمان سبع سنوات فقط, فخطبها الرجال بعد موته ومنهم معاوية بن أبي سفيان.. ولكنها أبت الزواج منهم جميعاً, ويقال إنها أخذت حجراً ودقت به أسنانها. ولما سئلت عن ذلك أجابت قائلة: (إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب. وإني خفت أن يبلى حزني على عثمان فيطلع مني رجل ما اطلع عليه عثمان, وذلك ما لا يكون أبداً..‏‏

وهناك قصة شبيهة عن أم الدرداء كانت يتيمة في حجر أبي الدرداء, وإنها كانت تختلف مع أبي الدرداء إذ كانت تصلي في صفوف الرجال, وتجلس في حلقات القراء فتزوجها أبو الدرداء ومات عنها, فخطبها معاوية, ولكنها لم تُجبه, وقالت: إني سألت أبا الدرداء أن يسأل الله أن يجعلني زوجته في الجنة, فقال ذلك إن لم تحدثي بعدي زوجاً. هذا في الوفاء فكيف في أمور أخرى.‏‏

وكانت المرأة العربية في ذلك الوقت تمارس حريتها واستقلالها الذاتي, فبالرغم من أن الحجاب كان موجوداً إلا أن استعماله لم يكن عاماً.. وبالطبع ليس هناك نص صريح في فرض الحجاب على المسلمات. فكن يرافقن المقاتلين في غزواتهم وكنَّ يقاتلن كما يقاتل الرجال, وكن يقدن المعارك... فها هي عائشة زوج النبي قادت حرباً ضد الإمام علي (ر) وانهزمت فيها.. فعاملها علي معاملة طيبة وردها إلى المدينة برفقة فرسان لحمايتها.. وها هي الخنساء الشاعرة التي رثت أخاها صخراً وقاتلت من أجله.. وكن يعملن في التجارة ويقدن القوافل في الصحراء ما بين الحجاز ودمشق وبغداد.‏‏

وإذ نقرأ أن عائشة بنت طلحة لم تكن تحتجب عن الرجال بل كانت.. (تجلس وتأذن كما يأذن الرجل) وفي حكاية أخرى نقرأ أن مصعب بن الزبير دعا الشعبي إلى بيته وأدخله على زوجته (ليحدث بما رأى) ثم تركه عندها لأنها أخبرته أنها اشتهت حديثه. ونقرأ كذلك عن الفقيهة الشامية أم الدرداء أنها عندما سألها أحد الشيوخ الجالسين معها عما إذا كانوا قد أمَلّوها, أجابت بأنها لم تُصب لنفسها شيئاً أشفى من مجالسة العلماء ومذاكرتهم.‏‏

وكانت النساء في ذلك الوقت يسرن في الطرقات ويحادثن الرجال, ففي حكاية تقول: إن سكينة بنت الحسين صادفت عروة بن أذينة في الطريق يوماً, فانتقدت بعض أبيات له ووبخته بشأنها قائلة إن أبياتاً كهذه ما كانت لتخرج عن قلب سليم قط.‏‏

وعندما خطب أبان بن سعيد عائشة بنت طلحة وعلمت أنه أختار أن يعيش في (العقبة) لرخص العيش فيها, ولأنه رغب في العزلة, علقَّت على ذلك قائلة إنه كالعنب لا يضر ولا ينفع. وكانت سيدة نفسها وسيدة رأيها, فعندما طلب عبد الملك بن مروان من أهل عزة أن يزوجوها إلى كثير قالوا: (إنها امرأة بالغ لا يولَّى على مثلها) وعندما عرض الأمر عليها رفضته رفضاً تاماً, والسبب لرفضها قالت: (بعد ما شهرني في العرب وشبب بي فأكثر ذكري, ما إلى هذا سبيل).‏‏

لننظر إلى هذه القصة الرائعة‏‏

ففاطمة بنت الحسين حين توفى عنها زوجها الأول -وكان ابن عمها-وجاءها الخطاب شرطت أنها لن تقبل إلا من مهرها مبلغاً من المال كافياً لسد ديون زوجها.‏‏

ولم تكن عواطف المرأة مكتومة أولاتجرؤ على الجهر بها.فهناك امرأة من ذاك الرعيل اسمها (ليلى) أحبها رجل اسمه (توبة) واحبته,فلم تخبئ ليلى هذا الحب وكانت تتفاخر به على رؤوس الأشهاد.‏‏

وهناك قصة عفراء وعروة ابن عمها ورفيق صباها,فيحكى أنها علمت بموته من أبيات قالها بعض المارة بأعلى صوتهم قاصدين أن تسمعهم,علماً منهم أن هذا الأمر يهمها.فلما سمعت الأبيات ذهبت مباشرة إلى زوجها وقالت:ياهناه إنه قد كان من أمر ذلك الرجل ما قد بلغك.والله ماكان الا على الحسن الجميل .ثم استأذنت منه بالخروج مع النساءلتندبه فسمح لها زوجها بذلك.‏‏

فأين مثل تلك النساء ومثل أولئك الرجال?! ويقال إنهاخرجت تنوح عليه بأبيات من شعرها حتى ماتت.‏‏

وكانت المرأة الجميلة تستمع إلى إطراء الرجال لها وتستحسن اقوالهم,فأبو هريرة مثلاً يقول: -وكذلك أنس بن مالك-إنه لم ير أحداً أجمل من عائشة بنت طلحة.‏‏

وعندما علق أنس بن مالك على جمال عائشة ردت عليه قائلة:(والله لأنا أحسن من النار في عين المغرور في الليلة الباردة)وفي مناسبة أخرى قال لها أنس:(إن اناساً بالباب يريدون ان يدخلوا إليها لينظروا إلى حسنها,فما كان منها إلا أن عاتبته لأنه لم يخبرها بالأمر قبل ذلك لتحتاط وترتدي من الثياب مايلائم المقام, أي أن تضع الكحل والحمرة والبودرة كي تبدو أجمل..وهذا اعتزاز مابعده اعتزاز ..فأين الحجاب إذاً?‏‏

وإن نقرأ مثلاً ,نقرأ أن عزة المدينية كانت من (أعقل النساء) وأن جمال الجارية (هوى) واتقانها لتلاوة القرآن الكريم وانشاد الاشعار,فقد بلغ من الحسين بن علي مبلغاً جعله يبكي من شدة الانفعال وأدى به إلى عتقها.‏‏

وهل هناك حرية في الحب وتبادل العواطف بكل جرأة وصراحة?! مثل هذه القصة?.‏‏

فهذه (عريب) المأمونية التي ترعرعت في صدرالدولة العباسية ,فيروى أنها فوجئت ذات يوم بزيارة من الخليفة بينما كانت تتعاطى الشراب مع رفيق لها,وسرعان ماأخفته,وبعد أن انصرف ,اخرجت رفيقها ثانية(فما زالا في أمرهما حتى الصباح).‏‏

ماذا لوحصل مثل ذلك في عصرنا الحاضر المتقهقر إلى الوراء لوقعت جريمة شرف لايحاكم عليها القانون إلا بتخفيف العقاب.‏‏

لتشبه نساء العصر من العربيات ...بتلك النساء اللواتي كن زهور التاريخ ووروده وعظمته.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية