|
ثقافة فالمشهد المعماري المستمد من مشاهداتها وتأملاتها لمدينة حماة ونواعيرها، يتحول من حالة إلى حالة، في ظل الاقتراب أو الابتعاد عن الصياغة الواقعية. فهي أحياناً تميل إلى التعبيرية التي تحافظ على ملامح الشكل أو المشهد، وأحياناً أخرى تزاوج بين مؤشرات اللونية الغنائية المثبتة في جزئيات المشهد، و بين مؤشرات التجريد اللوني، الذي يظهر في بعض أجزاء اللوحة، حيث لا فواصل ولا حدود هنا، بين حضور ملامح الأشكال وبين غيابها أحياناً في بعض أقسام اللوحة.
اختزال وتعاكس ومن أجل الوصول إلى حالة متداخلة بين المرئي والمحسوس، تعتمد هنادي على مبدأ الرسم التلقائي والعفوي، أو مبدأ الانحياز نحو الاختصار والتبسيط والاختزال، أكثر من الاهتمام بإظهار التفاصيل، فهي ترسم المشاهد المعمارية والزهور وتبسطها أحياناً إلى أقصى حد، ومن هنا تأتي الحساسية الشاعرية في لوحاتها الفنية الحديثة. وهي في ذلك تبتعد كل البعد والى درجة التعاكس مع المشاهد المرسومة وفق الطرق التقليدية المتبعة في الرسم الكلاسيكي والواقعي. ومن خلال هذا التداخل بين مؤشرات الأشكال الواقعية والعناصر اللونية التجريدية، تتجه نحو لغة التلميح القادر على اختصار العناصر إلى أقصى حد. وهكذا نستطيع الحديث عن اختراق المظهر السطحي للواقع، في خطوات البحث عن التركيب الداخلي الذي يوازن في أحيان كثيرة، مابين إشارات المظهر التعبيري، وحركات اللمسات اللونية التجريدية، التي تتأتى عبر ضربات فورية ومباشرة ونهائية، تغوص من خلالها في تجربة تعبيرية متحررة، دامجة بين العناصر والاشارات والأشكال، وماتعكسه من تداعيات لونية عفوية، تزيد من أجواء الحرية والتلقائية. ولقد أرادت هنادي من خلال لوحاتها توجيه تحية إلى الجمالية الهندسية المترسخة في البنى المعمارية القديمة، الباقية في مشاهدات القناطر والأقواس والقباب، وبذلك فهي تتمسك بجماليات التفاعل مع إيقاعات العمارة القديمة، المعرضة لمخاطر الاندثار والزوال، وأعمالها المستوحاة من علاقتها المباشرة وغير المباشرة مع البقية الباقية من جمالية آثار مدينتها القديمة، جاءت بعد جولاتها الفنية بين أحياء المدينة القديمة، لإظهار حالات التعاطف المطلق مع هذا الحلم الشرقي، الذي لا يزال رغم كل الحروب والمجازر والويلات والغربة، حياً في نفوسنا وذاكرتنا. مقاربات لونية هكذا تقدم هنادي يوسفان لوحات زيتية تنحاز بشكل واضح نحو التبسيط والاختصار والاختزال، لإبراز تداعيات الحركة الداخلية الانفعالية والعاطفية عبر معطيات اللمسة اللونية العفوية أو المتحررة، التي تبحث من خلالها عن خصوصية فنية وتشكيلية، لها علاقة مباشرة بتحولات وتداخلات وتشابكات وانقلابات ثقافة فنون العصر. وهي تبحث عن مناخات لونية متقاربة في تشكيلاتها المعمارية الحديثة، حيث تصوغها بقالب تشكيلي حديث، يزاوج ما بين إشارات الواقع (المستمد من انطباعات الذاكرة أو من الجلسة المباشرة) وتكاوين المنطلقات التعبيرية في أبجديتها الغنائية (كلمسات لونية متحررة) والهندسية (في تكاوين الأقواس والمربعات والمستطيلات والزوايا والقباب). وهذا الانتماء إلى ملامح المناخ المعماري المحلي، يحتفظ بروح التراث الحضاري، رغم ذلك الكسر الذي يبعد المشهد عن التدقيق، فالمهم بالنسبة لها أنها تستعيد إشارات المشهد المعماري المحلي، بالارتداد إلى الداخل لتخرجه من حيز صمته ولتجدده أو تستنطقه بالبوح الانفعالي المباشر، ولهذا تتدرج الحركة العاطفية صعوداً وهبوطاً عبر تدرجات الحالة اللونية، من تلك التي تتجه نحو العفوية القصوى، من خلال اللمسات المتتابعة والمتجاورة والمتداخلة، إلى المساحات الهادئة، وبذلك فهي تنسج علاقة مزدوجة بين العفوية اللونية والملامح المعمارية الهندسية المتحررة. facebook.com/adib.makhzoum |
|