تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أبطالنا... يستبسلون... ينتصرون... يستشهدون.. زوجة الشهيد العميد زياد عبد الحميد الدخيل.. علينا أن نقدم من الصبر ما يليق بعظمة الشهادة ونبأ الاستشهاد

مجتمع
الأحد 25-10-2015
غصون سليمان

أبت أن تغادر الزوجة روح المكان وتترك وراءها وجع الذكريات كانت تشعر بإحساسها الكامن أن وجودها وحركات طيفها يعطيه مزيداً من الصبر والاستقرار وراحة البال رغم الحصار ومجاورة الإرهاب. والاشتباكات القائمة على مدار الساعة..

كانت تقطن البناية لوحدها مع طفلتيها الصغيرتين بعدما هجرها سكانها خوفاً ورعباً من غدر داعش وفحش أفعالها..‏‏‏

إنها السيدة ميساء عوض الزوكاني زوجة الشهيد العميد شرف زياد عبد الحميد الدخيل من فرع الأمن الجنائي بالحسكة الشاهدة على تفاصيل الصمود وساعات التحدي وشريط المواجهات الصعبة التي كانت تسمعها وتنظر إليها على مسافات قريبة -‏

بين أرض المعركة وأحياء السكن التقيتها مصادفة في جريدتنا أثارت انتباهي حين قالت وضعتها في مدرسة بنات الشهداء .. لتعلم معنى وقيمة أن يبقى العلم العربي السوري مرفوعاً .. ومع اصغائي الشديد لهذه العبارة .. سارع أحد الزملاء قائلاً .. إنها زوجة شهيد .. وهي نموذج للمرأة السورية المناضلة ..‏‏‏

اقتربت من وجدها وأفكارها.. وتجاذبنا أطراف الحديث فهي من محافظة درعا والزوج الشهيد من دير الزور ( الميادين) والإقامة في محافظة الحسكة .‏‏‏

قلت لها ملامحك الهادئة الموقرة تعطي انطباعاً خاصاً بطبيعة السوريين والسوريات اللواتي يمتن ألف مرة.. ولايفرطن بوفاء المحبة للزوج والوطن.‏‏‏

توقفنا عند محطات كثيرة في شريط الذكريات الشائك من أيام الحرب والعدوان.. وكيف صمد الأهالي وخاصة أبناء المؤسسة العسكرية والأمنية والشرطية وزوجاتهم وأبنائهم وهي واحدة منهم بدأ الحديث يعرض الواقع المعيشي المرير منذ بداية الأحداث وكيف عاشت والبعض من أهل الحسكة بلا كهرباء كحال المدن السورية الأخرى منذ العام 2013 ولاخدمات ولاحتى أي لون في الحسكة .‏‏‏

تقول: السيدة عوض لم أتخيل أن أربي طفلتي التي أتت بعد سبع سنوات من الانتظار بعيدة عن زوجي وأبيها إذ واجهت كل التحديات معه.. كنت إلى جانبه في كل لحظة . أكان قريباً أم بعيداً حيث الواجب والضرورة والمسؤولية الوطنية .‏‏‏

قبل دخولهم‏‏‏

عشت وعشنا جميعاً الهجوم المتكرر بأساليب التفجير في مساكن الشرطة حي الزهور الذي كان لفترة من الزمن خارج الطوق الأمني.. ومع ذلك لم نغادر وفي كل اعتداء كنا نعيد اصلاح وترميم زجاج المنزل المتكسر.. بكل إصرار وتصميم على البقاء .‏‏‏

ولم تنكر السيدة عوض أمنيات زوجها الشهيد حين كان يقول لزوجته دعينا نبيع أثاث المنزل أو نأتمنه عند أحد الأصحاب فكان ردها عدم الرضا والرغبة في ذلك وبقيت في منزلها وكل مايحتويه من أثاث للحظة مغادرتها لوحدها وبناتها يوم الخميس 25/6/2015 قبل استشهاد الزوج بيوم واحد ودخول الإرهابيين من الدواعش إلى المنزل بخمس ساعات حيث كانت لاتتوانى عن تنظيف بيتها وأشيائها أملاً وتشبثاً بإرادة الحياة.‏‏‏

قبيل الاستشهاد‏‏‏

وحين السؤال عن لحظات ماقبل الاستشهاد وكيف سمعت بالحادث المؤلم فيما بعد قالت كنت مغادرة من الحسكة إلى القامشلي كي لايشتت ذهن زوجي بمصير البنات وبحالي ليبقى محافظاً على تركيزه واستعداده المطلق وهو مكافحة الإرهاب ومقاتلة الإرهابيين...‏‏‏

وهكذا وفيما كنت في منزل أحد الأصدقاء بالقامشلي قرأت عى الشاشة وفي العواجل من اللون الأحمر..‏‏‏

« ضباط وعناصر فرع الأمن الجنائي يستبسلون في الدفاع عن مدينة الحسكة» وبعد الإمعان في قراءة الخبر قلت لقد استشهد زياد بل صحيح القول لقد انتصر ومن ثم استشهد إذ صمد الرجال والأبطال لغاية وصول سلاح الجو وقوات المؤازرة من أصناف تشكيلات قواتنا المسلحة...‏‏‏

وتتابع بكلمات الكبرياء عن عظمة الشهادة والشهداء توجهت على الفور للمشفى الوطني على اعتبار أن الجثامين ستصل إلى المشفى في تلك اللحظات كنت هادئة جداً وأنا أنتظر كي أستقبل وغيري من المعنيين والمعنيات بالأمر استقبال المصابين والشهداء هنأت بالسلامة والعافية من رأيت من المصابين رغم محاولة إخفاء وجعهم وخبر استشهاد زوجي.‏‏‏

بالطبع لم يخبروني أين الجثمان كي أغادر المشفى ولكن إصراري على البقاء وعدم مغادرة المحافظة إلا وجثمان الشهيد زياد يرافقني وللحظة من الزمن أخبرني أحد رفاق الشهيد بعبارة مافي جثمان لينطلق جوابي مرة أخرى إذا لم أتمكن من مرافقة الجثمان إلى دمشق وتسليمه لي حصراً فلي عندكم رجاء واحد في حال تم التفاوض على الجثمان من قبل الدواعش حين تعثر عليه وتساومكم عليه اعلموا أنني لن أقبل بأي تفاوض ولاتقبلوا أنتم بأي مساومة وهكذا بقي الإصرار سيد الموقف إلى أن أعانني الله بمرافقة جثمان الشهيد إلى العاصمة دمشق حيث مثواه الأخير في حي الزاهرة.‏‏‏

خصوصية‏‏‏

وعن شمائل الشهيد وخصوصية العلاقة الأسرية تؤكد السيدة عوض في حديثها على حالة الاحترام والتقدير والدلال والأمان وحسن المعاملة وطيب المعشر وسعة الصدر في استيعاب كل من حوله كان يصغي للجميع وينصت بهدوء عند حل أي مشكلة صغيرة أو كبيرة كان قريباً من الناس يساعدهم بشكل لامثيل له كان حريصا على سمعته الطيبة وحريصاً على تطبيق القانون ضمن روح النص والضوابط لم يتأخر يوما عن دوامه لا في الصباح ولا أثناء المناوبة وتشير الزوجة الصابرة أنه خلال سنوات العدوان والإرهاب على بلدنا لم تكن ترى زوجها على مدى شهور طويلة سوى لبضع ساعات «ساعتان أو ثلاث» في أحسن الحالات لأن حالة الاستنفار الدائمة تستوجب التيقظ والحذر والقوة لمواجهة أي مباغتة من قبل الأعداء وهنا نذكر كيف كانت في كل مرة تهيىء له بدلة العمل التي يرتديها باستثناء مشوار الرحلة الأخيرة فهو من اختار بنفسه أفضل الثياب العسكرية التي كان يحبها ربما لأنه شعر بأن مقام الشهادة تستحق كامل الأناقة واللباقة وهذا ماكان, وتذكر بحديث رواه أحد الأصدقاء قبل استشهاده بساعتين حين طلب من زميله ورفيق سلاحه العقيد زياد أن ينسحب بعد احتدام المعارك إلى مبنى القيادة كان الجواب لن انسحب لن أموت إلا وأنا في المقدمة وبالفعل فقد استقرت رشقات الرصاص في الصدر بعد ماتمكن الإرهابيون من الاقتراب من مبنى فرع الأمن الجنائي عبر سيارة مصفحة مفخخة للدواعش ودبابة وصهريج مفخخ مع وابل من الرصاص كزخات المطر فاستبسل الأبطال في وجه الإجرام وحطموا رعونته ونالوا شرف الشهادة.‏‏‏

فخورة به‏‏‏

أنا فخورة بزوجي قالتها مراراً السيدة ميساء عوض، ولست مغرورة أبداً بل لأنني صبرت وتلقيت نبأ استشهاد شريك حياتي بعقلانية مطلقة حيث كنت أقول دائماً صموده في المعركة يستحق أن يوازيه صمود آخر وهو صمودي بتلقي نبأ استشهاده بكل كبرياء وفخر… كنت أقول دائماً والكلام للزوجة عوض لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ومع كل محنة هناك محنة وأنا انتظر قدري في بلدي الذي أعز الشهداء وأسرهم وقدم لهم الشيء الكثير… وهنا سألتها إذا ما راودتها فكرة السفر إلى الخارج, أجابتني بكل صراحة قائلة كان باستطاعتي المغادرة والخروج من بلدي.. لكن نفسي وتربيتي ووفائي للأرض والمدرسة والجامعة وللخبز والملح والماء والهواء.. واحتراماً وإجلالاً لدماء الشهداء ولمقام البدلة العسكرية ومنهم زوجي.. أبيت أن أقدم على هذه الخطوة طالما هناك نفس وطني وأخلاقي في داخلي..‏‏‏

وللصغار أحلامهم‏‏‏

أحلم أن أقطف الثمار في مستقبل بناتي بما يوازي اسم والدهم الشهيد الذي أودع فينا خصال الحب والعطاء والوفاء.. عبارات وضعتها الأم والزوجة ميساء عوض حين أفصحت عن رغبة ابنتها لمار أثناء دفن الوالد عندما طلبت من والدتها بعد أربعة أيام من الفراق أنها تريد أن تزين ضريح أبيها الشهيد بلون العلم العربي السوري وهي التي رأته لآخر مرة يوم الأربعاء ٢٤/٦/٢٠١٥ يومها طلب من الطفلة لمار قائلاً «لا أريد منك أن تحزني أو تزعلي لو مهما صار.. أريدك دائماً فرحانة». واليوم تحاول لمار المستمعة في الصف الأول بمدرسة بنات الشهداء حيث تخرج كل يوم من الزاهرة إلى المزة والهدف أن ترى كما تؤكد والدتها أن كل أقرانها مثلها أبناء وبنات الشهداء لتستمتع وزميلاتها ممن في عمرها بعبق الشهادة وسيرتها العطرة فيما الابنة الثانية رودينا ثلاث سنوات تتربى على مخزون القيم والأخلاق الذي تتحلى به العائلة فالأم والزوجة حريصة إلى أقصى حدود الحرص أن تنشئ صغيراتها على سلوك درب العطاء… والعلم والتفوق والتضحية من أجل مستقبل سورية…‏‏‏

فهنيئاً للشهداء مراتبهم العالية وهنيئاً لعوائلهم حصاد صبرهم عزة وكرامة وانتصار ليبقى الوطن على مر الزمان سيداً حراً مصاناً…‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية