|
الإنترنت عن موقع gulfnews لقد جرت العادة في تلك المؤتمرات أن تسود الخطابات الرنانة المنمقة والخطط, غير القابلة للتنفيذ, بل كانت تحدث فيها أحياناً مشادات يسعى البعض إلى تهدئتها, وعلى أثرها يصدر بيان مشترك لا يلبث أن يطويه النسيان, ذلك ما كانت عليه نتائج اجتماعات القمم في الماضي. أما القمة التي عقدت مؤخراً في الرياض فإنها تختلف عن سابقاتها, حيث كان المندوبون موحدين بشكل لم يسبق له مثيل, وكانت هناك خطة عمل معدة بشكل مسبق, ومحادثات اتسمت بالجدية والشفافية, وكان في رأس جدول أعمالها مبادرة السلام العربية التي سبق وأن أهملتها الولايات المتحدة وإسرائيل, ولم تكترثا بها منذ صدورها. لكن الأوضاع قد تغيرت عما كانت عليه بالأمس, فإسرائيل تلقت صفعة قاسية عندما خسرت حربها في لبنان, بينما فقدت الولايات المتحدة الوسائل التي تمكنها من حفظ ماء وجهها للخروج من العراق, ودون شك فإن زعماء هذين البلدين أصبحا على قناعة تامة بأنه ليس من يملك السلاح المتطور هو من يحقق النجاح, وكان لهذا الواقع جل الأثر في تدني نسب التأييد لهذين البلدين. إن المبادرة العربية للسلام التي تراكم الغبار عليها لسنوات عدة, وغابت عن الأنظار عادت للظهور مجدداً بعد أن قام 22 عضواً يمثلون 22 دولة من دول الجامعة العربية بتفعيلها مجدداً, وإبراز مضمونها الذي يقول: إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل يتطلب منها الانسحاب إلى حدود ,1967 والاعتراف بوجود دولة فلسطينية تكون القدس الشرقية عاصمة لها, والالتزام بتطبيق القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة المتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. التعايش السلمي الآن أصبحت الكرة في الملعب الإسرائيلي, وقد صرح ملك الأردن عبد الله بقوله: (يتعين على إسرائيل الاختيار بين العيش في دوامة حرب أبدية أو القبول بخيار السلام والتعايش). تلقت الولايات المتحدة المبادرة بنوع من اللامبالاة, وقامت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس بجولة دبلوماسية كمحاولة منها لجلب الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة السلام, علماً بأنها قامت بزيارة إسرائيل ست مرات خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية, ولم تحقق أي تقدم في هذا المضمار وكانت في كل مرة تعود خالية الوفاض. يبدو أن رايس قد خاب ظنها في نتائج القمة التي كانت تعتقد بأن قراراتها ستقود إلى مفاوضات مباشرة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل لكن الواقع أكد بأن الملك عبد الله بن عبد العزيز لا يفكر بذات الأسلوب الذي فكر به أنور السادات عندما قام بزيارة إسرائيل بشكل لم يتوقعه الجميع. بعد صدور المبادرة قال أولمرت بأنها جديرة بأن تؤخذ بعين الاعتبار, بينما رأى المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية بأنها ربما تكون قاعدة محتملة للحوار, لكن لم يمض سوى يوم واحد حتى أعلن أولمرت عن رفضه لبند رئيسي ورد في المبادرة قائلاً: إنه لن يناقش موضوع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل. وفي كل الأحوال فإن أولمرت الذي أخفق في حربه على لبنان, والمثارة ضده الكثير من فضائح الفساد, لن يتسنى له أن يحلم بالبقاء خمس سنوات أخرى في الحكم, في الوقت الذي أعلن فيه القادة العرب بأنهم لن يتراجعوا عن حق العودة, وأكدوا على تشكيل مجموعة عمل تقوم ببحث مبادرة السلام مع اللاعبين الأساسيين في المجموعة الدولية. بحث مؤتمر القمة أموراً أخرى ذات أهمية, مثل الاحتلال الأميركي للعراق الذي وصفه الملك عبد الله بن عبد العزيز بالاحتلال الأجنبي غير الشرعي, الأمر الذي حدا بإدارة بوش للدفاع عن نفسها بقولها إنها دخلت العراق بتفويض من الأمم المتحدة. صرح البعض بأن قرارات القمة العربية كانت بمباركة من الولايات المتحدة, لكن تلك المقولة تجافي الواقع إذ من غير المعقول بأن تجلب الولايات المتحدة الأذى لنفسها, فضلاً عما يؤكده الواقع من وجود برود في العلاقات السعودية الأميركية لأسباب عديدة منها: التحسب من العنف الطائفي الذي أطلق الاحتلال الأميركي عنانه, مثيراً الكثير من التوتر في المنطقة, كما وأن هناك قلقاً سعودياً من الحماقات الأميركية في العراق, مما حدا بالملك السعودي لمد الجسور مع كل من إيران وسورية, والدخول في حوار مع حماس وحزب الله فضلاً عن السعي لإيجاد روابط مع روسيا. قال الملك عبد الله لقد أهملت واشنطن اتفاق مكة (الذي توسطت به السعودية في وقت سابق من هذا العام) الذي قاد إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية على أمل إنهاء العقوبات المفروضة على الفلسطينيين, وإعادة المساعدات المالية لهم, وقد أثار ذلك حفيظة الملك عبد الله, لذلك عمد إلى الاعتذار عن حضور احتفالات البيت الأبيض في 17 نيسان كما أن ملك الأردن قد يؤجل زيارته إلى الولايات المتحدة, والتي كان يزمع القيام بها في شهر أيلول. القومية العربية لقد ظهرت في خطاب الافتتاح الذي ألقاه ملك السعودية روح قومية جديدة, لا ترضى عنها إدارة بوش (التي تسعى إلى دق أسفين بين الدول العربية التي سمتها بالدول المعتدلة والأخرى التي سمتها بالمتطرفة), وأبدى الملك عبد الله أساه على الجرح الفلسطيني الذي ما زال ينزف, وعلى هذا الشعب الذي يعاني من الاحتلال والقمع, وأشار أيضاً إلى الدماء التي تراق في العراق الذي يرزح تحت الاحتلال الأجنبي غير الشرعي, وإلى لبنان الذي تكتنفه الصراعات, وفي هذا السياق ألقى باللائمة على التهاون العربي الذي أفسح المجال للتدخل الأجنبي في السودان. وألقى الضوء على الحرب الأهلية القائمة في الصومال, وردد قائلاً: إن الملام في هذا المجال هم قادة الدول العربية لأنهم لم يسيروا في طريق الوحدة, الأمر الذي قاد الكثير من دول العالم إلى عدم الثقة بقدراتهم, واستطرد قائلاً: علينا ألا نسمح لقوى خارج منطقتنا برسم مستقبلها, وألا نسمح لأي راية ترفرف فوق هذه الأرض سوى الراية العربية. أشار البيان إلى المخاوف من سباق التسلح في المنطقة, وأكد على حق كافة الدول في تطوير التقنية النووية للأغراض السلمية, وتطبيق القانون الدولي, وحث على عدم استخدام المعايير المزدوجة, فيما تلوح في الأفق نية الولايات المتحدة شن هجوم على المفاعلات الإيرانية. يبدو أن صبر الملك عبد الله ونظرائه من الملوك والرؤساء العرب بدأ ينفد, حيث يشير الواقع بأن العرب مصممون على اتخاذ قراراتهم بأنفسم, وقد بدأت بوادر ذلك بما صرح به الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عندما قال بأن دولته ترفض استخدام أراضيها للهجوم على أي دولة وخصوصاً الدول المسلمة. إذاً هناك تغيير في الأجواء, فهل يتحقق التضامن العربي أم سيبقى سراباً لا يلبث أن يتلاشى, وهل سيواصل القادة العرب التحرك لتحقيق السلام أم ستفشل مبادرتهم? إن الأجوبة على هذه التساؤلات ستقرر شكل المنطقة ومستقبلها فيما إذا كانت موقعاً للسلم والازدهار والأمن أم ساحة لمعارك دائمة تحركها القوى الأجنبية على غرار ألعاب الكمبيوتر. * كاتبة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط |
|