|
كتب ( لقد ترعرت في إحدى المزارع وادركت الاعتماد الإنساني على الطبيعة وضعف الإنسان وسط تقلباتها كما أدركت كيف أن تعاقب الفصول يتجلى في دورات النمو من غرس ورعاية, وجني, ثم راحة ومن تزاوج وولادة ونمو , ثم موت, ومن إمضاء وقت طويل وهادئ في تدجين الحيوانات والشعور بالأمان معها والثقة بها وأدركت أيضا كيف أن هذه الدورات تتعزز بقصص مقدسة تدور حول ترابط حياة الأميركيين الأصليين الذي كانوا جيراننا.
جعلت باربرا ويتمر من مقدمتها شرحا طويلا للأنماط الثقافية للعنف كونها معتقدات تفصح على نحو رمزي في الأغلب عن المواقف السائدة في الثقافة فالأنماط هي مجموعة من المعتقدات قالب عقلي ثقافي يعبر عن نمط المعتقدات والمواقف والسلوك والخطب والممارسات في المجتمع إن أنماط العنف هي مجموعة من المعتقدات التي تفصح عن المواقف تجاه العنف في الثقافة الغربية فالعنف تعريفا هو خطاب أو فعل مؤذ أو مدمر يقوم به فرد أو جماعة ضد أخرى تشتمل أنماط العنف على اسطورة البطل وديناميكية استغلال القاتل واسطورة الكوبوي واسطورة الفردية التنافسية ونظرية العنف الفطري واسطورة العدوان الذكوري والمجمع الصناعي العسكري والحتمية التكنولوجية وإخضاع النساء اسطورة نخبوية الجنس البشري. تعبر أنماط العنف عن العلاقة بين الإنسان والجماعة بطريقة معينة وجوهرها هو الاعتقاد القائل إن الافراد عنيفون بفطرتهم ومن هنا تتطلب السيطرة عليهم وجود بنى جماعة خارجية بعدها يصبح النظام الثقافي قادرا على تشريع العنف وعقلنته واستخدامه ضد ( الناس العنيفين) كأداة سيطرة اجتماعية وهكذا يصبح النظام الثقافي بنية ( استخدام للعنف من أجل منع العنف) تعزز ذاتها وتديمها وباسم البقاء الثقافي تتمكن الثقافة من إدراج العنف والصراع المدمر تحت عنوان الأمن الثقافي وحماية المواطنين من أنفسهم..?! تقول باربرا ويتمر:( إن العنف يقوض تواصل الحياة لقد خبرته في المدرسة فوق المحمية الأميركية الأصلية هناك انتحرت بعض صديقاتي أو تعرضن للضرب وسقطن على سكك الحديد وهن فاقدات الوعي ثم بقين جثثا مقطعة الأوصال وأحيانا كانت أم إحدى صديقاتي تشعر (بمرض) شديد إلى درجة تمنعها من مغادرة البيت إلا أن ( مرضها) كان ناجما عن ضرب زوجها لها). تعقيدات أنماط العنف خلقت فجوات مربكة ماكرة في الواقع الاجتماعي من هنا نفذت ويتمر إلى حقيقة الممارسات والتصرفات التي تشرعها المعايير الاجتماعية غير المكتوبة كالتمييز العنصري والاعتداء على النساء..? ويتمر تتناول اسطورة ( البطل الفذ) بذكاء ملفت حين تحيلنا إلى نموذج البطل الكلاسيكي الاخلاقي العائد إلى العصر الاغريقي القديم فالنموذج هو المحارب ذو المقدرة الجسدية الخارقة الذي يقاتل لأجل الحفاظ على النظام الاجتماعي ( هيكتور) في ملحمة الالياذة لهوميروس هو المثال الذي انتقته ويتمر لنموذجها - البطل التاريخي- يصلي هيكتور للآلهة في اثناء لم شمل قصير مع زوجته اندروماك وطفله بقوله:( منُي عليّ أيتها الآلهة لكي يصبح هذا الصبي ولدي متفوقا بين الطرواديين وعظيما في قوته مثلي واجعلوه يحكم اليون بقوة ومكنوه من قتل عدوه ومن جلب غنائم دامية للبيت وأفرحوا قلب أمه). في تحليل اسطورة البطل المخلص هذه لم توفر ويتمر فلسفة هيغل أو فلسفة أرنولد تونبي أو جوزيف كامبل واستعانت بأكثر من فيلسوف لتشرح لنا التخدير العاطفي الذي تصنعه حالة البطل المخلص وكيف أخذ العنف المخلص قيمة بقاء بسمته عنفاً ضرورياً واستجابة طبيعية لطبيعة الحياة. غرائز الحياة وغرائز الموت مع حلول عام 1930 رأى فرويد أن الثقافة تنشأ عن الحب والعمل المشترك اذ يجب أن يفهم الحب بأنه ينبع من نرجسية عدوانية أساسية تعد كل فرد آخر ( عدوا محتملا منافسا أو مانعا لحريته يحصل العدوان المحرض دفاعا عن هذه النرجسية فقط عبر تكوين - رد الفعل يتحول إلى حب متناقض يميز المجتمع. من هنا كان لابد من » تمدين الغريزة) عبر الثقافة لأن حياة الجماعة - وفق فرويد- ممكنة فقط عندما تتوحد الجماعة التي هي أقوى من أي فرد بعدئذ تستطيع هذه الجماعة حماية نفسها من أي من الأفراد ويوضع حق الجماعة في مقابل » القوة الغاشمة للفرد.. إن استبدال قوة الفرد بقوة الجماعة يشكل » الخطوة الحاسمة في الحضارة) تقود هذه الخطوة إلى حكم القانون حيث يضحي الجميع بغرائزهم على شكل تام أو كبح أو كبت أو أي وسيلة أخرى ولا تترك أحدا تحت رحمة القوة الغاشمة للفرد. تحت عنوان ( دريدا والأصل البطولي) قدمت ويتمر فصلا ممتعا تناولت فيه فلسفة جاك دريدا التفكيكية لتسليط الضوء على الجرح المفتوح في الثقافة الغربية: الألم والغضب كعلامتين طاغيتين لأسباب العنف المباشر وغير المباشر المعلن وغير المعلن تؤكد ويتمر على أن الاحساس بالحياة يحتاج إلى انتباه وان سر التأقلم مع الخسارة بنجاح هو أن نبقي أنفسنا منشغلين مع المحافظة على موقف ايجابي راسخ وعام من تفاصيل الحياة حيث تقول: هناك الكثير من الأمور في الحياة التي لا يمكنك الاستمرار معها بواسطة اسلوب وحشي عليك أن تدعها. الكتاب: الانماط الثقافية للعنف. تأليف: باربرا ويتمر. ترجمة: د.ممدوح يوسف عمران. صادر عن سلسلة عالم المعرفة عدد آذار 2007 قطع متوسط 360 صفحة. |
|