تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لعبة الوقت لتكريس الاستيطان

شؤون سياسية
الخميس 2-7-2009م
محمود السريع

تواصل إسرائيل التهرب من موضوع وقف البناء في المستوطنات وهو ما تطالب به الولايات المتحدة ويعمل أقطاب الحكومة الإسرائيلية الثلاثة:

رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الحرب ايهود باراك ووزير الخارجية افيغدور ليبرمان على تبادل الأدوار مع الحرص على الحديث وكأن هناك خلافاً بينهم وكان محلل إسرائيلي أكد أن هؤلاء الثلاثة سيتبادلون الأدوار وإدارة الحكومات القادمة طوال عقد من الزمن، حيث في الظاهر الخلافات بينهم ستؤدي لسقوط الحكومة ولكن في الواقع هم متفقون على تضييع الوقت والتهرب من الاستحقاقات وكان أحد المحللين الإسرائيليين أكد أنه بعد خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان نجح في أن يبعد شبح سقوط الحكومة قليلاً.‏

يأتي هذا في الوقت الذي يشير فيه بعض الإسرائيليين إلى أن هناك أزمة حادة بين إسرائيل والولايات المتحدة حول هذا الموضوع، تجلت في إلغاء اللقاء المقرر بين نتنياهو والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل في باريس.‏

وعلق وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان على إلغاء اللقاء المقرر بين نتنياهو والموفد الأمريكي ميتشل بالقول: «إن إسرائيل من خلال خطاب رئيس الحكومة نتنياهو عبرت بدقة عن الليونة الإسرائيلية الكبيرة جداً ولكن لا يمكن القبول بواقع لا يمكنّنا من بناء كنيس أو غرفة لإحدى العائلات، وقال ليبرمان إن إسرائيل بلورت وعرضت موقفها بوضوح ولن تكون هناك تساهلات أو ليونة في موضوع التكاثر الطبيعي في المستوطنات.‏

وكان ليبرمان أجرى مداولات مع وزيرة الخارجية الأمريكية في واشنطن هيلاري كلينتون طالبت خلالها بوقف البناء في المستوطنات لكنه قال: إن المستوطنات ليست عقبة بوجه السلام.‏

جاءت أقوال ليبرمان قبل توجه نتنياهو إلى باريس ولقاء ميتشل وبالتالي يمكن القول إن اللقاء كان للوقوف على قرار إسرائيل من الطلب الأمريكي بوقف البناء ولكن وفقاً لما نسب إلى مسؤول كبير يرافق نتنياهو أنه (نتنياهو) يحتاج إلى مزيد من الوقت والمعطيات وهو ما لا يمكن تحقيقه وإنجازه قبل يوم الخميس 25 حزيران الموعد المقرر للقاء ميتشل.‏

وهنا جاء دور وزير الحرب إيهود باراك الذي يجهد للظهور بمظهر البراغماتي والمتفهم للمطالب الأمريكية بهذا الخصوص.‏

فقد اتصل باراك بـ ميتشل ليطلعه على الرغبة الإسرائيلية في تأجيل اللقاء مع نتنياهو بل واستبدال ذلك اللقاء بلقاء يجمعه هو مع ميتشل في واشنطن وخاصة أن معظم القضايا التي سيتم بحثها تتعلق بالوزارة المعهودة لباراك من موضوع المستوطنات وحتى الحواجز.‏

قبل أن يأتي الرئيس الأمريكي أوباما إلى القاهرة أبدى الإسرائيليون استخفافهم بما يقال عن ضغوط أمريكية أشارت إليها صحيفة نيويورك تايمز حول ربط تأييد الولايات المتحدة بإسرائيل في المحافل الدولية بوقف البناء كلياً في المستوطنات ولا ندري هل يقصد الأمريكيون كل المستوطنات أم التي يحاول الإسرائيليون شد الانتباه إليها (نقاط استيطانية غير قانونية) مزعومة وبالتالي تجاهل المستوطنات الكبيرة التي تحيط بالقرى العربية والتضييق على سكانها كي يغادروها.‏

وكان نتنياهو قال حينئذ إن الطلب الأميركي لتجميد البناء ليس معقولاً فقال:« يجب الحفاظ على الكتل الاستيطانية وفقاً لخريطة المصالح إلى أن يحين السلام فهذا يعكس إجماعاً واسعاً بين الجمهور وقد تم التأكيد عليه في مداولات لجنة الخارجية والأمن» وتجاهل نتنياهو هنا استطلاعاً للرأي أكد أن ما يزيد على 55٪ من الإسرائيليين يؤيدون إزالة المستوطنات، وهنا يمكن الإشارة أيضاً إلى أن نسبة كبيرة ممن لم يدلوا برأيهم يؤيدون حتماً إزالة المستوطنات ولكن امتنعوا عن الإفصاح عن رأيهم لأنهم وصلوا إلى مرحلة اليأس والإحباط تجعلهم لا يعولون بشيء على حكومتهم.‏

جاءت أقوال نتنياهو التي أكد فيها أن إسرائيل لن تعمل على إقامة مستوطنات جديدة وستقوم بإزالة ما يسمى النقاط الاستيطانية غير القانونية.‏

في اجتماع لجنة الخارجية والأمن (1/6) وفي اليوم الذي قامت فيه قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود في إطار مسرحية هزلية وساخرة بالأساس من الرأي العام العالمي بإخلاء نقطة استيطانية قرب مستوطنة الون موريه حيث سحبوا (كرافانتين) واخلوا كرفانة ثالثة في الوقت الذي لم يتعد عدد الأشخاص الموجودين فيها خمسة شبان؟.‏

بعد ذلك بفترة قصيرة اندفع المستوطنون يتزعمهم عضو كنيست ميخائيل بن آرييه لإحراق حقلين وكرم زيتون للفلسطينيين قرب قرية حواره التي تحيط بها مستوطنات يتسهار وحفات جلعاد واعتدوا على الفلسطينيين العزل دون أن تمنعهم قوات الجيش والشرطة، بل وفقاً لما أكده شاكر الطيب الذي أصيب في (المواجهات حسب التعبير الإسرائيلي) وقفت قوات الجيش والشرطة إلى جانب المستوطنين.‏

وعبر عدد من أعضاء الكنيست عن تأييدهم للمستوطنين فقال ياريف ليفين من الليكود: «المستوطنون هم من يواجه الخطر اليومي المتمثل بإخراجهم من بيوتهم ولهذا يحق لهم الاحتجاج وخاصة أنهم يواجهون مشكلات أمنية قاسية» وقال آرييه الداد من الاتحاد الوطني: «يمكن التوصل إلى تفاهمات بشأن النقاط التي لم تحصل على موافقة لإقامتها والتي أقيمت بعد آذار 2001 والقائمة على أراضٍ فلسطينية خاصة غير القانونية».‏

جاء كل هذا عشية زيارة الرئيس أوباما إلى الشرق الأوسط انطلاقاً من الحرص الإسرائيلي على استغلال الزيارة لإظهار أن إسرائيل عندما ستستجيب للطلب الأمريكي بإزالة المستوطنات ستكون قد قامت بتضحية كبيرة ودفعت ثمناً كبيراً مع الحرص على إبراز مشاهد مسرحية حول صدامات مع المستوطنين، بالمقابل يمكن مطالبة الفلسطينيين بالاستجابة لرغبة السلام الإسرائيلية والتنازل عن الدولة ضمن حدود الرابع من حزيران وعودة اللاجئين والعمل على حماية إسرائيل.‏

لقد شكل الاستيطان منذ ما قبل إقامة إسرائيل عنصراً أساسياً في المشروع الصهيوني. وبعد النكبة وبعد عدوان حزيران أصبح الاستيطان والاحتلال متكاملين، فالجيش يحتل الأراضي ويطرد السكان ليأتي المستوطنون ويقيموا عليها الخيم والكرفانات والمباني ويستغلوا الأراضي زراعياً وصناعياً. وبهذا الإطار يمكن النظر إلى الاستيطان كاستثمار بعيد المدى بحيث يطالب المستوطنون بالتعويض عن الإخلاء الذي سيشكل ثمناً للسلام ولكن من جيوبنا نحن العرب، حيث يتم التغاضي عن حقيقة أن القضية ليست مستوطنات هنا وهناك بل هي الاحتلال الذي يجب أن يزول مع كل ما نجم عنه من تشريد ملايين الفلسطينين والعرب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية