تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قراءات في الصحافة الإسرائيلية... يديعوت أحرونوت : نهاية مشروعنا على عتبات أبوابنا !!

ترجمة
الأثنين 23-4-2012
إعداد وترجمة :أحمد أبوهدبة

يحتدم الجدل منذ فترة ليست بالقصيرة في الأوساط الأكاديمية والثقافية في الكيان الإسرائيلي حول مصير هذا الكيان في ظل المتغيرات الكبيرة والخطيرة التي يشهدها العالم والمنطقة ،

وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققها هذا الكيان على كافة المستويات وما يحظى به من رعاية وتأمين وغطاء سياسي وإعلامي من الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة في الجانب العسكري والتسليحي، فإن أزمة الوجود والإحساس بالخطر الداهم.‏

تستحوذ على الشارع في الكيان ويتجلى هذا الإحساس في كثير من التحليلات والكتابات التي باتت تركز على كلفة الاحتلال واستمرار مقاومة الشعب الفلسطيني وعدم قبول المحيط العربي والإسلامي لهذا الكيان الذي جاء في إطار المشروع الغربي الاستعماري إلى بلادنا وكما يقول جدعون ليفي في هآرتس:» إن كل شيء مفتوح وسيّال وهش بصورة مخيفة. إن سيناريوهات مستقبل إسرائيل الثلاثة باعتبارها دولة احتلال وهي: استمرار الوضع الراهن الى الأبد، أو دولتان أو دولة واحدة – تبدو الآن بلا أساس، وتوقف الاشتغال بها تماماً وكأن عدم البحث فيها سيؤدي إلى حل قابل للتحقيق. لكنه لا يوجد لجميع الأسئلة المصيرية الأخرى أيضا جواب حقيقي ولا تكاد تثار في برنامج عمل الإسرائيليين الذين كان يجب عليهم أن يحصروا عنايتهم فيها وحدها تقريباً. إن دولة بلا مستقبل (واضح)، تتسلى بالماضي وتحصر عنايتها في الحاضر تشبه دولة لأمد قصير. ولا يسأل أحد حتى عشية أيام الانفعال القومي القريبة ماذا سيكون وجهها بعد عشر سنين وهي مدة تُعد صفراً بالمعنى التاريخي».‏

احتلال الأرض وتهجير سكانها الأصليين والاعتماد على القوة العسكرية مرتكزات أساسية للمشروع الصهيوني منذ تأسيسه في أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر،إلى جانب تضليل وتشويه إعلامي صهيوني عالمي واكب نشاط الحركة الصهيونية غطى جهات الأرض الأربع ،استطاعت خلاله الحركة الصهيونية وإسرائيل فيما بعد ولا تزال أن تستحوذ على قطاعات واسعة من الرأي العام وخاصة في أوروبا والغرب عامة. أسس لذلك موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلي السابق قاعدة الإعلام والدعاية حكمة العقل الصهيوني والإسرائيلي فيما بعد حتى وقتنا هذا عندما قال :»علينا أن نكون مستعدين ومسلحين، أن نكون أقوياء وقساة حتى لايسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة» بمعنى أن الإحساس بالخطر ونهاية الكيان الإسرائيلي تظل حاضرة في العقل السياسي الإسرائيلي.‏

نهاية مشروعنا‏

ولم يمر عقدان او ثلاثة على مقولة موشيه ديان حتى بدا الكثير من الكتاب والمفكرين في الكيان الإسرائيلي يعلنون بما يشعرون به إزاء مستقبل مشروعهم ، فقد كتب ابرز زعماء حزب العمل‏

أبراهام بورغ في يديعوت احرونوت قبل أعوام :» أن نهاية المشروع الصهيوني على عتبات أبوابنا.. قد تظل هناك دولة يهودية ولكنها غريبة وقبيحة فدولة تفتقد لعدالة لايمكن أن يكتب لها البقاء».‏

وشاركه في مثل هذا التنبؤ أبرز الكتاب في يديعوت احرونوت يارون لندن عندما قال أمام مؤتمر هرتسيليا: «عقارب الساعة تقترب من الصفر لدولة إسرائيل علما أن معدلاً كبيراً من الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30سنة وهذه المعطيات المقلقة تدل على أن عقارب الساعة تقترب من الساعة 12 .‏

فيما تكثر التساؤلات حول مستقبل إسرائيل في أوساط التجمعات اليهودية في العالم ، إذ تساءل الكاتب اليهودي الأميركي بنيامين شفارتس في مجلة اتلانتيك الأميركية حول مستقبل (إسرائيل) ومصيرها وكتب بمرارة يقول: (هل لـ إسرائيل ان تحتفل بعيد ميلادها المئة؟). وأجاب في نهاية المقال متشائماً استبعد فيه أن تعمر إسرائيل إلى ذلك الوقت والسبب في رأيه أن المشروع الصهيوني لم يتمكن أبداً من التغلب على العائق الديمغرافي الذي أقلقه منذ تأسيسه.‏

موشيه يعلون رئيس أركان سابق واحد أركان حكومة نتنياهو كان الأوضح لرؤيته لمستقبل إسرائيل عندما قال في محاضرة أمام مركز البحوث الأمنية :» بان مستقبل إسرائيل مرهون بعوامل ثلاثة ليس بمقدورها تغييرها وهي العامل الديموغرافي وإصرار الشعب الفلسطيني على عدم الاعتراف بها والعقلية السائدة لدى إسرائيل وقادتها «‏

الردع المفقود‏

تضخم الشعور بالخطر الوجودي وعدم الاستقرار والعيش على مقولة « الردع العسكري أو قوة إسرائيل العسكرية « كلها مفردات تكاد تطفو على الخطاب السياسي الإسرائيلي ، بل إن الشك والتشكيك في هذه المقولات باتت حالة يومية في العقل السياسي الإسرائيلي، ففي السابق كانت ركيزة العقيدة العسكرية الإسرائيلية على مقولة خوض الحرب خارج إسرائيل والدفع بالقوات البرية إلى أرض العدو والاعتماد الكلي على سلاح الجو، كل هذه المقولات سقطت إلى الأبد في لبنان عام 2006 وغزة بعد ذلك بعامين ، وصار الحديث عن ملاءمة هذه العقيدة مع التطورات الكبيرة التي ألمت بالمنطقة والعالم وخاصة حرب الصواريخ وتطورها على ضوء امتلاك العديد من قوى المقاومة وسورية وإيران في المنطقة لصواريخ قادرة على إسقاط مقولة الردع الإسرائيلية ، ففي أحدث دراسة لمركز بيغين-سادات حول فعالية هذه الصواريخ على الأمن الإسرائيلي ، وبرغم أن الدراسة تركز نظريا على نتائج ومآلات قصفه للمنشآت النووية الإيرانية وعواقبها، وأن التهوين الذي بدا من خلال التقليل من فعالية ودقة الصواريخ في أي حرب مستقبلية مرده تشجيع صانع القرار الإسرائيلي على اتخاذ قرار ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وحليفه الغربي على تأمين الغطاء الدبلوماسي والسياسي لمثل هذا التحرك، وربما العسكري؟!‏

العوامل الحاسمة‏

ورغم تأكيد الدراسة على تراجع أهمية القوات البرية في معركة مقبلة، فإنه لا ينفي أنه ما من حرب أُستخدمت فيها الصواريخ – بدءاً بالحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وصولاً إلى حرب لبنان الثانية، أمكن حسمها من دون استخدام للمناورة بالقوات البرية. وبتعبير آخر، لم يكن يوماً استخدام الصواريخ عاملاً حاسماً في أي نزاع مسلح‏

ثم تنتقل الدراسة بعد ذلك إلى عرض أنواع الصواريخ وأعدادها لدى دول المنطقة، إذ هناك مئات الأنواع من الصواريخ في منطقة الشرق الأوسط، «فلدى سورية، على سبيل المثال، ترسانة كبيرة من صواريخ أرض- أرض يصل مداها إلى بضع مئات الكيلومترات، ، ونظراً لأن الصواريخ بعيدة المدى أكثر تكلفة، فإن عدد الصواريخ التي يصل مداها إلى 1500 كم (المسافة الفاصلة بين إيران وإسرائيل)، أقل بكثير من عدد الصواريخ قصيرة المدى التي يصل مداها إلى 300 كم».‏

وتتحدث الدراسة عن صواريخ الجيل القادم البالستية، إذ «يشكل الصاروخ الروسي البالستي اسكندر إم 26-SS تغييراً جذرياً، في قدرة هذه الأسلحة. إذ يتميّز بقدرته الكبيرة على المناورة منذ لحظة إطلاقه حتى آخر مراحل مسار الرمي. وفي حين أن روسيا والولايات المتحدة الأميركية تمتلكان هذا النوع من الصواريخ، لم يستطع أي بلد من بلدان منطقة الشرق الأوسط الحصول على هذا النوع من الأسلحة». لتخلص الدراسة إلى أن الردّ الأنسب على صواريخ الجيل القادم البالستية هو في مزيج من الردع والدفاع الفعال، والحماية السلبية. «فالردعَ سلاحٌ مركزيٌّ في أي مواجهة صاروخية. ومعناه أن توضح «إسرائيل» لكل من ينوي مهاجمتها بصواريخ بالستية أنه سيعرض بناه التحتية الحيوية للخطر الشديد. إذ تستطيع طائرة إف16 إسرائيلية واحدة حمل تسعة أطنان من القنابل الذكية (تسعة أضعاف الشحنة التفجيرية لصاروخ سكود). أما وسائل الدفاع المتاحة فهي منظومات الصواريخ الاعتراضية للصواريخ، وأنظمة التشويش وتعطيل أجهزة توجيه رؤوس الصواريخ المهاجمة، بالإضافة إلى الحماية السلبية المحسّنة للمنشآت الحساسة والمناطق السكنية».‏

الأكثر انشغالاً بالمسألة الوجودية والذي يستحوذ الشك على تحليلاتها هي الصحافة الإسرائيلية.‏

دولة بلا حدود‏

والمتابع لهذه التحليلات يلحظ أن الشك الوجودي وأن مستقبل إسرائيل لن يكون أقل من مستقبل نظام جنوب افريقيا العنصري ، فالكاتب جدعون ليفي في هآرتس هو أكثر المتنبئين لهذا المصير حيث كتب في هآرتس يقول :» فلا أحد عنده جواب عما سيكون وجه الدولة بعد عشر سنين. بل إنه يوجد من يشكّون في مجرد وجودها حتى ذلك الحين وهذا سؤال لا يثار عن أي دولة أخرى. لكن الانشغال بهذا السؤال الداحض أيضا يضيق في حدود بث الخوف ورعب ليل السبت. أما سائر الاسئلة وهي لا تقل مصيرية فإنها حتى لا تثار. هل يعلم أحد هل ستكون إسرائيل ديمقراطية بعد عشر سنين؟ وهل يستطيع أحد أن يضمن هذا؟ وهل ستكون دولة علمانية أم تصبح دولة شريعة يهودية؟ وهل تكون دولة رفاه أم دولة رأسمالية؟ هل مدنية أم عسكرية؟ وهل يوجد فيها مجتمع أوروبي أم شرق أوسطي أم شكل آخر؟ وكم من الشعوب سيعيش فيها بعد عشر سنين؟ وكم من الشعوب الصغيرة؟ ومن ستكون فيها الأكثرية – وهذا سؤال آخر لا يُسأل في أي مكان آخر في أمد عشر سنين؛ وماذا ستكون حدودها – وهذا ايضا سؤال لا يُسأل إلا في إسرائيل التي هي الدولة الوحيدة التي لا حدود لها.‏

أما عن الحالة الجنونية التي تعيشها إسرائيل هذه الأيام كتب درور يميني في معاريف تحت عنوان «جن جنوننا» منذ زمن بعيد لم يقع لنا حدث جدي يمكن أن تُعرض فيه إسرائيل كوحش. لا «رصاص مصبوب»، لا مذبحة في جنين ولا حتى انتفاضة صغيرة. الوعود بـ «مسيرة المليون» نحو حدود إسرائيل تبددت وكأنها لم تكن، الأساطيل توقفت عن الوصول، وحتى الرحلة الجوية الجماهيرية ظهرت كسمكة هزيلة. لا شيء. حكومة نتنياهو، هي ايضا، ترفض توفير البضاعة، ورغم استمرار نار الصواريخ – تصر اسرائيل على عدم الرد بشدة. فترة جفاف كهذه، كما ينبغي الاعتراف، لم تكن لنا منذ زمن بعيد هنا. محزن.‏

بدوره يعترف نحمان شاي بأن الحرب على الوعي بين كيانه والشعب الفلسطيني لاتزال في أوجها برغم من مرور أكثر من ستين عاماً على وجود اسرائيل :«هذه حرب على الوعي، سواء وعي الفلسطينيين أنفسهم أم الجمهور في البلاد أم الرأي العام العالمي. ولكن بينما ينشغل الفلسطينيون بالحرب الجديدة، لا تزال اسرائيل عالقة في الحرب القديمة»‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية