تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجـولان المــحتل.. الثــوابت الســــورية في مـــواجـــهة التعنت الإســرائيلي

شؤون سياسية
الأربعاء 24-6-2009م
نبيل محمود السهلي

اعتمدت إسرائيل في عملياتها العسكرية واحتلالها لمزيد من الأراضي العربية المحيطة بفلسطين على رؤى وتوجهات استراتيجية وضعتها الحركة الصهيونية،

استهدفت من خلالها احتلال الأراضي العربية ومن ثم العمل على تهويدها، وفي هذا السياق كانت عملية التوسع الإسرائيلية في حزيران من عام 1967، حيث تم احتلال هضبة الجولان السورية التي تعتبر استراتيجية في مستويات مختلفة لدى الاستراتيجيين والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948.‏

وتشير الدراسات الصادرة عن مراكز البحث الإسرائيلية إلى أن ثمة بعداً استراتيجياً لهضبة الجولان السورية في المنظور الإسرائيلي، من أهمها البعد العسكري، حيث رأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وكذلك القادة العسكريون أن الموقع الجغرافي المهم للهضبة بتضاريسها الخاصة، مثلت جداراً و مجالاً دفاعياً حيوياً عن غور الأردن والجليل الشرقي وإصبع الجليل، وجميع أنحاء المناطق المحتلة في شمال فلسطين المحتلة، ما يعطي الهضبة أولوية في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية هو إطلالتها على بحيرة طبريا وإشرافها على سهل الحولة، إضافة إلى ذلك تعتبر الهضبة السورية في المنظور العسكري الإسرائيلي أيضاً، ذات بعد استباقي للردع، حيث يرى الاستراتيجيون في إسرائيل أن وجود الجيش الإسرائيلي في الهضبة عبر احتلالها يشكل أهمية ردع استثنائية، بسبب ميزات الجولان الاستراتيجية والطبوغرافية الخاصة، كما يؤكد قادة إسرائيل العسكريون أنه باحتلال الهضبة السورية يمكن ردع أي تحرك عسكري للجيش السوري، فضلاً عن كون الوجود الإسرائيلي في الهضبة يحقق أهداف الرصد للجيش الإسرائيلي لمساحات جغرافية كبيرة حول الهضبة السورية، وقد يساعد في ذلك وجود قمم عديدة في الهضبة تفسح لرؤية شاسعة نحو المناطق الشرقية والجنوبية من سورية، ولم تغفل إسرائيل الأبعاد الاستراتيجية الأخرى للهضبة السورية وخاصة المائية منها، حيث أمنت باحتلالها أجزاء كبيرة من الهضبة أكثر من ثلث الاحتياجات المائية الإسرائيلية.‏

ركز الإعلام الإسرائيلي في الآونة الأخيرة على المخططات الإسرائيلية الجديدة الداعية إلى تعزيز النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في هضبة الجولان السورية المحتلة، وذلك عبر مسميات مختلفة أهمها التطوير، هذا في وقت تم التأكيد فيه على رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته العنصري أفيغدور ليبرمان لأي عملية انسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة في المستقبل، وقد سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967، إلى فرض الواقع الاستيطاني في الهضبة العربية السورية المحتلة، والذي يعتبر منافياً لقرارات الشرعية الدولية التي أكدت بطلان قرار الضم الإسرائيلي للهضبة الصادر في عام 1980، وكذلك على عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي الذي يعتبر أحد أهم معالم إجراءات وسياسات الاحتلال في الهضبة السورية، ومن الناحية الاستراتيجية يعتبر أصحاب القرارفي إسرائيل أن هضبة الجولان المحتلة تشكل موقعاً استراتيجياً مهماً لإسرائيل كما أشرنا سابقاً، هذا فضلاً عن الأهمية المائية التي أشارت الأدبيات الصهيونية الصادرة عن المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية في آب من عام 1897 إليها بوضوح جلي، حيث لاحياة للدولة الصهيونية المنشودة دون تحقيق ذلك- حسب قادة الحركة الصهيونية- وقد أكدت جميع المؤتمرات الصهيونية على ذلك، ومع إنشاء الدولة الصهيونية في الخامس عشر من أيار من عام 1948، على الجزء الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية، ومحاولة أصحاب القرار فيها جذب مزيد من يهود العالم إليها، بات التفكير الإسرائيلي ينصب على احتلال أجزاء من الأراضي العربي المحيطة بفلسطين غنية بالمياه لدعم النشاط الاستيطاني في فلسطين وتحقيق خطوات متقدمة من المشروع الصهيوني برمته عبر التوسع مائياً باتجاه الشمال والشمال الشرقي من فلسطين المحتلة، وكانت هضبة الجولان وجنوب لبنان وروافد نهر الأردن في إطار الهاجس المائي الإسرائيلي على الدوام لأسباب ذكرت ويلحظ المتابع للشؤون الإسرائيلية أنه على الرغم من مرور اثنين وأربعين عاماً على الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية (1967-2009) ودخول إسرائيل عملية مفاوضات منذ نهاية عام 199١، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ ذلك الحين سعت إلى فرض وقائع استيطانية على الأرض يصعب الانفكاك عنها في حال تمت انطلاقة مفاوضات جدية مع سورية، وكان من أخطر المخططات الاستيطانية قد ظهر إلى العلن في بداية كانون الأول من عام ٢004، حيث تمت الإشارة في المخططات إلى إمكانية مضاعفة عدد المستوطنين في الهضبة السورية المحتلة، ولم تتوقف الأنشطة الاستيطانية، وقد تحدثت الصحف الإسرائيلية في نهاية العام المنصرم 2008، عن مخططات لبناء مئات الوحدات الاستيطانية في هضبة الجولان السورية المحتلة خلال العام الحالي 20٠9، وقد استطاعت إسرائيل من خلال نشاطها الاستيطاني تشييد 3٣ مستوطنة في هضبة الجولان السورية المحتلة، يتركز فيها نحو ١8 ألف مستوطن إسرائيلي، في مقابل ذلك تشير الحقائق أيضاً إلى وجود نحو ستة عشر ألف عربي سوري في أرضهم في ست قرى سورية في الهضبة السورية المحتلة.‏

والمتابع لتصريحات القادة الإسرائيليين بعد تشكيل حكومة نتنياهو، يلحظ بوضوح أن ثمة تعنتاً إسرائيلياً عند الحديث عن تسويات محتملة مع سورية بشأن الجولان المحتل، وتؤكد خطابات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وكذلك توصيات مراكز البحث الإسرائيلية بضرورة أن تفضي أي مفاوضات إلى سيطرة إسرائيلية كبيرة على مصادر المياه في الهضبة بحجة الحاجة الإسرائيلية للمياه، ناهيك عن محاولة إبقاء عمق كبير من أراضي الهضبة في جهة الشرق تحت سيادة قوات بمسميات مختلفة تقوم بدور مراقبة للتحركات السورية، أي تقوم بدور مخفر أومستوطنة إسرائيلية متقدمة، وقد رفض المفاوض السوري تلك التوجهات الإسرائيلية وأصر على الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وبعد مرور 42 عاماً (1967-2009) على احتلال القسم الأكبر من الهضبة السورية، وكذلك 18 عاماً على انطلاقة مؤتمر مدريد لم تتقدم عملية التسوية إزاء الهضبة، وفي عام 2008، حصلت أربع جولات من المفاوضات غير المباشرة حول تسوية محتملة في الجولان بين سورية وإسرائيل عبر الوسيط التركي، بيد أن سورية أعلنت وعلى لسان السيد الرئيس بشار الأسد وقف تلك المفاوضات أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في بداية العام الحالي 2009، وبين الثوابت السورية والتعنت الإسرائيلي إزاء الصراع على الهضبة السورية المحتلة، فإن الأبواب لاتزال موصدة أمام انطلاقة مفاوضات جدية محتملة بين سورية وإسرائيل، وخاصة بعد تربع حكومة إسرائيلية أكثر يمينية وعنصرية في تاريخ الحكومات الإسرائيلية على سدة الحكم في إسرائيل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية