تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قتل وحشي.. والنتيجة أمراض نفسية

الغارديان
ترجمة
الأربعاء 24-6-2009م
ترجمة: خديجة القصاب

يقر الجميع دون استثناء بدءاً بوالده وابنه ورفاقه في القوات المسلحة أن الدورات الثلاث التي نفذها الرقيب «جون راسل» في العراق أودت به إلى حافة الهاوية

لكن الدافع الذي يقف وراء اطلاقه النار على خمسة من رفاقه في تلك القوات التي ظلت محور حياته لأكثر من 16 عاماً لا يزال محط تساؤلات الجميع من كل حدب وصوب.‏

فقد أشارت تقارير الجيش الأمريكي إلى أن عمل «راسل» اقتصر على تحويل أجهزة ورجال آليين للقوات المذكورة إلى أكله لحوم البشر من خلال تفجير تلك الآليات عبر ضفتي الطرقات العراقية ما قاده لمعايشة تلك الممارسات الوحشية عن قرب فكان ما تمخض عنها من إحداث دامية شهدها مخيم «الحرية» العسكري الأمريكي في بغداد منتصف أيار 2009.‏

وتعترف التقارير أن تلك الأحداث مؤشر على تراكم الصدمات النفسية التي تعرض لها «راسل» ويبلغ اليوم سن الرابعة والأربعين وكان على وشك مغادرة العراق بعد أسابيع معدودة.‏

دخل الرقيب مركزاً لمعالجة التوترات النفسية لدى الجنود الأمريكيين في بغداد للتخلص من هذه الحالة المرضية ليتحول رد فعل راسل هذا إلى مواجهة مع رفاقه من القوات الأمريكية ما استدعاه إلى إشهار مسدسه واطلاقه الرصاص على طبيبين وقتل ثلاثة جنود آخرين.‏

وتكاد هذه الحادثة تشبه إلى حد بعيد نظيراتها من احداث أقرب إلى الروايات منها إلى الحقائق تتناول جنوداً يتعرضون لصدمات شديدة الوقع والتأثير النفسي تقودهم وحشية حيثياتها إلى مزيد من العنف والارهاب.‏

فمنذ اندلاع حربي العراق وأفغانستان تكررت حالات جنود الحلفاء وخاصة الأمريكيين منهم الذين عادوا إلى وطنهم الأم ليرتكبوا جرائم قتل شنيعة فالذين خاضوا هاتين الحربين ارتكبوا 120 جريمة قتل عمداً بدءاً بتصفية زوجاتهم كما حدث في كل من فورت براغ وكارولينا عام 2002 استكملوا مسيرتهم تلك بقتل خمسة جنود في قاعدة كولورادو العسكرية العام الماضي.‏

وتبرر أسرة «راسل» ما قام به الرقيب جون قائلة: إن الحرب ليست المسؤولة بالدرجة الأولى عن أعماله تلك وإنما الأوامر الصادرة عن إدارة الجيش الأمريكي هي التي دفعت رقيباً يخدم في الوحدة الهندسية إلى حافة الهاوية ويضيف والد «راسل» البالغ من العمر 73 عاماً تمثل الخدمة العسكرية الحياة بعنفوانها وجبروتها بالنسبة لابني «جون» لكن الضغوطات النفسية للمعارك الحربية في ساحات القتال أدت به إلى مشاجرة مع عدد من قادته الضباط لذلك أنا أشك فيما إذا كانت حقيقة ما حدث ستظهر إلى العلن يوماً نتيجة الملابسات التي تحيط بهذه القضية.‏

وقد أسر «راسل» لزوجته أنه تعرض للتهديد من قبل ضابطين في فرقته لتغدو تلك الأيام أسوأ مرحلة في حياته على الاطلاق إذ تقدم خلالها قائد فرقته وأمره بتسليم سلاحه والتوجه إلى مركز تلقي الاستشارات النفسية ويعلق والده على ذلك بقوله: تعتبر الأوامر التي تلقاها «جون راسل» بالنسبة لتسليم سلاحه إذلالاً له فبعد خدمته الطويلة التي أمضاها في الجيش أصبح بأمس الحاجة لأن يبقى في عمله ويحتفظ بسلاحه إلا أن ما حدث أفقده صوابه ويستطرد والد الجندي المذكور قائلاً: اعتقد أن ضباط فرقته قرروا استبعاده من الخدمة ففي المركز المتخصص لمعالجة التوترات النفسية للجنود الأمريكيين يستلقي المرء على سرير ليقنعه الأطباء هناك بأنه ليس الإنسان المرغوب به لاداء المهام المطلوبة. وبأنه ليس جديراً للبقاء في هذا القطاع فكيف تسنى له الحصول على رتبته العسكرية. وأنه أحمق لا محاله وأنه غير جاهز لمزاولة المهنة والبقاء في الخدمة ما يجعل الجندي الذي يدخل المركز هذا يفقد توازنه مما سيؤدي إلى تدميره بعد فترة.‏

ويتابع والد «راسل» في حال انقلبت إدارة الجيش الأمريكي ضد ابني وتآلبت عليه فإن الحياة لن يعود لها معنى، لقد حطموا «جون» إذ فقد ولدي المنزل الذي يقطن فيه وربما يخسر زوجته أيضاً وكل شيء تباعاً وهناك ضغوطات أخرى يعاني منها «راسل» فقد التزم بدفع مبلغ وقدره 1500 دولار لقاء المنزل الذي استأجره لوالديه وابنه علاوة على الديون التي تراكمت عليه منذ طرده من وظيفته وتكمن المعضلة في فهم تصرفات وسلوك «راسل» وكيف أثرت الضغوطات النفسية التي تعرض لها خلال تنقلاته داخل الأراضي العراقية على مواقفه تلك إضافة لمشكلاته الشخصية وتنامي خلافاته مع الذين هم أعلى منه مرتبة. ألم تشكل كل مشكلة دافعاً لتفجير التي تلتها؟‏

تظهر دراسة تجريها حالياً القوات الأمريكية المسلحة تتعلق بالصحة العقلية ومعنويات جنودها المنتشرين في كل من العراق وأفغانستان أن جندياً من أصل خمسة جنود أمريكيين يعاني من ضغوطات نفسية وكآبة وقلق وخوف من المستقبل.‏

فالأمريكيون على غرار «راسل» الذين لهم باع طويل في تسجيل أربع دورات أو أكثر في العراق يعانون من خطر أكبر مقارنة بالجنود الذين أمضوا فترات أقل في مواقع القتال هناك.وما يثير الصدمة أن جندياً أمريكياً من أصل عشرة يعاني من اهتزازات في دماغه وتمت معالجة نصف هؤلاء الجنود فقط في الوقت اللازم.‏

وتشير دراسة أخرى إلى أن نصف عدد الجنود الأمريكيين فقط، الذين عادوا من العراق وأفغانستان ويعانون من مشكلات عصبية ونفسية تلقوا معالجة كافية.‏

لقد كانت ملاحظة إدارة الجيش الأمريكي حول تأثيرات حروب القرن الواحد والعشرين على جنوده غير دقيقة إلى أن ارتكب أفراد من القوات الخاصة عادوا حديثاً من أفغانستان جرائم قتل في منتصف عام 2002 في قاعدة شمال كارولينا على غرار الرقيب «وليم رايت» الذي عمد إلى خنق زوجته ووضعها في حفرة وادعى غيابها وذلك بعد شهر فقط من عودته إلى دياره.‏

أما الرقيب «رغو بيرتو» فلم يكد يمر يوما على عودته حتى أقدم على إزهاق روح زوجته والانتحار في اليوم الثالث، كذلك قام الرقيب «سدرك غرفين» بطعن زوجته عشرين مرة قبل أن يضرم النار في منزله ويحاول الهرب.‏

وخلصت الدراسة المذكورة إلى أن معدلات الجريمة في صفوف الجنود العائدين من كل من العراق وأفغانستان تسجل أعلى ارتفاع لها حالياً.‏

وقد بادرت القيادة العامة للجيش الأمريكي العام الماضي إلى اطلاق حملة إعلامية خاصة في محاولتها إقناع الجنود المصابين بالصدمات النفسية لتجاوز مشكلاتهم تلك واستخدمت الحملة أبرز قناص للقوات الأمريكية ويدعى «براين ادمز» الذي أصيب في يده وفخذه خلال معركة في العراق لتحقيق هذه الغاية، فقد أصيب ادامز بالكآبة إثر عودته من العراق كما أدمن على تناول المشروبات الكحولية وانصرف عن اصدقائه ليعبر عن أحاسيسه بالقول: بدأت أشعر يوماً بعد يوم أنني أفقد السيطرة على أعصابي ولم أعد أعرف ما هو قانوني وما هو السلوك الذي يناسبني، إنني أتصرف وكأن القوانين لن تطولني.‏

لقد ازدادت إدارة الجيش الأمريكي إدراكاً للضغوط التي يعاني منها جنودها نتيجة انخراطهم في حروب طويلة خلال الأعوام الأخيرة.‏

ويتبين حالياً أن هناك نمواً في معدل الجرائم التي يرتكبها الجنود الأمريكيون في قواعدهم «كارسون» و «كولورادو»، حيث أدين تسعة جنود عائدين من العراق عقاباً على قيامهم بعمليات قتل عمد ضد عراقيين ونفذت خمس من تلك التصفيات الجسدية المذكورة العام الماضي ليس إلا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية