تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نــبــيــلة..

آراء
الأربعاء 24-6-2009م
حنان درويش

صديقة للعصافير كنتِ، ندّاً لصباحات المحبّة والوداعة وبلاغة الصمت الجميل، إنسانة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى ،

تتحدّثين بهدوء، تتصرّفين بلباقة ، وترمزين في رسوماتك إلى متناقضات زمان مازال يحمل أوزاره.‏

ونتوءات تخفيها أقنعة، فتأخذكِ الحال إلى رتق ما تستطيعين من مزق ، ونثر ما تيسر من قمح ، وورد في حقول الجائعين.‏

عندما تناهى إليّ نبأ حتفكِ .. بكيتُ ،ذرفتُ دمعات مشبعة بملوحة الفراق، ورحت أهدي إلى نفسك المطمئنة دعاءات الرحمة، وأسئلة:‏

إلى أين يا نبيلة؟!‏

إلى عالم جديد أجد فيه ريشة أكثر نقاء وصدقاً، رحلتِ.. وجدوك متلبّسة بالسكينة ، تعانقين نظرة محيرة وتسلمين روحك لشرعية القدر، وأصابعك النحيلة لنداء الملائكة، تطيرين ، تطيرين، وتغزلين بساطاً من ياسمين ،كنت تحبين الياسمين ، تفرطين زهراته الصباحية فوق طبق من الفضة ، وتضعينه فوق طاولة المكان، يوم موتك ، بكى الجميع ، ملأ نحيبهم ساحات النهار ، تساءلت الردهات عن وقع خطوكِ ،عن لثغتك المحببّة فأتى الجواب:‏

لقد جف الحنان ..نضبت أنهار الرحمة؟ غاض الأنس، ونبت بدلاً منه الفتور.‏

البارحة كنا معاً.. وقبل الفراق، اتفقنا على القيام برحلة إلى البحر، قلتِ وقتها: سأتصل بك مساء، لنتكلم في تفاصيل المشروع، وجلست أنتظر طال انتظاري، ولم تتصلي ، راحت الساعات تناوش ترقبي لرنين يغسل ذؤابات لهفتي ، تلاشى الوقت وغرق البحر في حزن عميق.‏

تعارفنا كان صدفة، في بيت صديقة مشتركة التقينا .. سعدت بوجودك، بطيبتك ، بقلبك الدافئ ،تحدثنا عن هموم الأدب والفن بشكل عام . شعر، قصة، رواية، فنون تشكيلية..إلخ.. لكنني وفي أثناء ذلك، كنت ألمح في عينيك حزناً دفيناً، عزوته حينها إلى خاصية تتعلق بالمبدعين جميعاً، حيث يتماهى الأسى في أعماقهم كتماهي الإبداع الذي يكنون، لهذا فإن الخريف يزورهم باكراً، وتصفر أوراقهم قبل الأوان.‏

على صفحات بعض الدوريات كنت أتابع لواعج رسومك، واستشرف حالات التجلي لديك، وفي المعارض المنتشرة هنا وهناك، أتملى وجوه أبطالك، فأراها مغبرة، تنحاز إلى الشحوب، تمزجين الواقع بالمستحيل ، والحاضر، بالأسطورة، تراوحين بين ما تبغين ، وبين ما يبغون، بين ما هو كائن ، وما يجب أن يكون في سماء إحدى لوحاتك المعلقة على أحد جدران بيتي، بدا طائر الردى جاهزاً للانقضاض على المرأة ، ينتظر إشارة ، أو إيماءة تدعوه.‏

رحلت باكراً ، دون خوف أو ارتباك، لوّح لك الحتف بمنديل، ألقيت رأسك الجميل فوق وسادة الرضا، ومضيت إلى عالم غريب.‏

فارقت الحياة، رغم انشغال الحياة بك، وانشغالك بأشياء هي لانتماء الطفولة أقرب أحد المعجبين سماك «نبيلة» وكنت تردين عليه بإطراقة من محياك اللطيف،.تردد الاسم على ألستنا ، نسينا اسمك الحقيقي، وتذكرنا اللقب، الذي غدا دواء للأيام المقبلة، لن أنساك، ستبقى صباحات الياسمين مشدودة إلى القلب، وسيبقى صحن الفضة على الطاولة وتلك النظرة المحيرة. أما رحلة البحر فلها في البال نضوج التذكر حتى آخر العمر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية