|
آراء من حين المبدأ، النصيحة، كما تبدو للوهلة الأولى موضوعية إلى حد ما، ولها مفاعيلها في الحياة عموماً، لأن العودة إلى الوراء تعني الوقوف في المكان، بينما الآخرون يسيرون إلى الأمام، وبمقدار ماتطول فترة الوقوف في المكان تزداد المسافات بين الطرفين، بين من يقف وبين من يمضي إلى الأمام. بيد أن المسألة، من حيث الواقع، قد لاتكون عملية بكل ما تعنيه العبارة، وذلك لأن الماضي لايخلو من الدروس والعبر، ما يمنح المرء فرصة إعادة النظر فيما حقق وما لم يحقق، وفيما كان موفقاً أم غير موفق في هذه الحالة أو تلك. المهم في هذه المسألة أن يعي الإنسان تبعات خطاه، سواء عاد إلى الوراء متفحصاً ماأنجزه، أم سار إلى الأمام . إن الوعي وحده في مثل هذه المسألة يخفف من وطأة عودة المرء إلى حساباته القديمة، لأنها قد تحمل إليه مفاتيح الولوج إلى المستقبل الذي ينشده، لأن هذه العودة هي بمثابة الحكم على الذات أولها، ومن هذه النقطة يكون الانطلاق إلى مايصبو إليه الإنسان في سعيه وصولاً إلى غايته في الحياة. صحيح كما يرد في بعض الأقوال المأثورة أنه مع كل ربيع جديد تنبت أوراق أخرى، بمعنى استمرار التجدد، وأن لاجدوى من السعي وراء الأوراق القديمة كونها أصبحت جزءاً من وجه الأرض، ولكن النصيحة تبقى منقوصة في اعتقادنا وخصوصاً عندما يحاول أحدنا إسقاط الماضي بكل مافيه من تجارب، بينما قد يكون البعض منها مفيداً لرسم صورة اليوم أو الغد، وقد يكون أيضاً جزءاً لايمكن إسقاطه من الحساب بأي حال من الأحوال، وذلك على غرار خطأ تخطي أحداث الأمس وعلاقتها بحاضر الشخص ورؤيته لمستقبله من خلال ما اختبره قبل يومه الحالي. إن قولاً مأثوراً كهذا يوصي قارئه بألايعيد حساب الأمس وماخسر فيه، فإن العمل بموجبه يكون رهن الحالة التي يستشعرها المرء بمقدار مايكون عليه حجم الربح والخسارة، وحينئذ لايجديه نفعاً إذا ماعاد إلى حسابات الأمس أم لم يعد، لأن المحصلة التي تكون قد تجمعت بين يديه تشكل المعيار الذي يجعله يأخذ بالنصيحة أو يرفضها. وفي كل الأحوال، لايملك أحدنا أن ينأى بنفسه عن الأمس، البعيد منه أحياناً، والقرب منه غالباً، ذلك لأن خروجه من واقع حاضره كخروجه من واقع أمسه، لأنهما، مجتمعين، يؤلفان زاوية نظرته إلى الحياة، وبالتالي يحددان له الطريق الذي يحسن به أن يسلكه منعاً من السقوط في التجارب، لأن من بينها مايكون قاتلاً بمعنى مجازي إن لم يكن بمعنى واقعي تماماً. الأمس هومخزون معارف، وليس فيه مالا يفيد صاحبه من العودة إليه، وهذا المخزون، هو بحد ذاته، من مبررات الاهتمام المتزايد به من قبل علماء النفس والاجتماع، لأنه عالم قائم بذاته بشكل أو بآخر، ولأنه من أسباب تحديد أبعاد الشخصية التي تنضوي عليه في وقتها الراهن. |
|