تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوتار... المطر مهما كان غزيراً لايغسل سواد القلب

آراء
الأربعاء 24-6-2009م
ياسين رفاعية

جاءتني سفينة الغيم وردت لي ارتعاشك في حضرة الأمير، كان الحزن يختفي وراء ابتسامتك المصطنعة، الراقصة ترقص والأمير مزهو بك،

وخلفك عشر فتيات صغيرات كن بثيابهن البيضاء يحملن بقايا ثوب عرسك الأبيض،... مبارك ياسيدتي... كانت النساء تزغرد، والراقصة تتمايل فيلتهمها الأمير بنظراته النهمة، الكل في ابتهاج قالت الغيمة إلا أنت، وكنت أعرف.‏

أرسلت لك سلة ورد بدون اسم، كنت أعرف أنك ستعرفين، لأن الورد كان من البنفسج الأصفر مع بعض أغصان من الياسمين الأبيض، أجمل الورود التي تحبينها‏

قالت الغيمة: إنها سلة الورد الوحيدة التي حملتها إلى غرفة النوم و وراء نظراتك تتألق الدموع، قالت إن المحتفين بك فسروها دموع فرح، وحدي كنت أعرف.‏

آه‏

يالهذه الأحزان التي تطوف حولي كالشتاء، أهرول مجنوناً تحت المطر الهاطل في الغابة التي تحيط بلندن حتى تتسع لصراخي، فأصرخ كطائرة تهوي، اتفجر كالقذيفة، أسقط فوق التراب، أتمرغ بالدموع الخفية.‏

مبارك ياحبيبتي.‏

مبروك للأناشيد تتغنى بك، للقبلات تتنعم بفمك لليل يتشابك مع نور عينيك، للعشب المزهر يزهر بوجودك، للقمر ينام على شرفة غرفتك، لشفتيك تدندنان أغنية الوداع، للهمسات التي لاتنسى، للأضواء التي لاتتألق إلا بحضورك... للنهر يشتاق لقدميك.... مبروك لكل مايحيط بك، ويسعد بجمالك.‏

ولاأفهم الآن كيف أداري وحدتي وأنتظر لحظة الأفول‏

أنا المجنون بك الجنون العذب، الهائم بك هيام الأرض بالمطر، العاشق عشق الأسماك للبحار، والعصافير للغابات، المشتاق أبداً لابتسامتك، لكلمة ترحيبك الدائمة: «مرحباً» مرتجفة بين شفتيك بنداء الحب العميق.‏

ولن أخادعك بالكلام، ولاأكتب لك لأستعيد هذا الحب الضائع، فأنا أتمنى لك أن تسعدي لأنني لم أستطع أن أسعدك، أن تفرحي لأنني لم استطع أن أفرحك، أن تلعبي بالمال والثراء أن تتعطري بأغلى العطور، وترتدي أجمل الثياب، أن تسافري أنت عاشقة السفر إلى كل بلد جميل وأن ترافق نهديك قمصان الحرير، أن تبتسمي في شواطىء الفيروز وليالي الأحلام المتعاقبة على أعتاب الدنيا، أن تختبىء النجوم وراء عينيك المذهلتين، وأشتهي لك أطيب الشراب وأطيب الطعام وأطيب الذكريات، فأظن أن سنوات من التعب كافية، من الهذيان المجنون، من سواد الليل وأحزان الصباح.. من الحرب والدمار والقتل والاغتيال، من جناح مكسور من صدى الغناء الموشح بالأنين، من توغل الخوف، من اليأس القاتل، من الأمل المفقود.‏

سنوات طويلة من العذاب‏

كفى‏

مبارك يافاتنتي مبارك‏

اذهبي حيث الثلج ينهمر من وراء الزجاج لافوق أهدابنا، وحيث الصقيع نراه فوق الحشائش من وراء القصر لافي أوصالنا...‏

اذهبي هرباً من الخريف والأشجار العارية، من القهر والسخرية السوداء، من الفقر المتخشب ومن العيون العمياء، من صحراء الرمل وعاصفة الصحراء، من غموض الأحرف وسطور الرسائل.‏

لتكن محفظتك ملأى بالدنانير، أنت التي مافتحتها يوماً إلا على القروش القليلة، على ثمن الخبز والزيتون، على ثمن نصف الدواء، ونصف اللبن ونصف التفاح.‏

وأنا الآن أعطيتك مملكتي ولن أتنحى عن حبك، أعطيتك أسراري وسيبقى سرك الوحيد في قلبي، أعطيتك قصائدي وكنت قصيدتي الوحيدة، أعطيتك الأناشيد وكنت أغنيتي الأبدية، أكتب وأنا أردد اسمك همساً وصراخاً في النداء تلو النداء.‏

أما الذكريات فلتزدهر بدموعها، وتستيقط بأشواقها وتحترق في ليلها العميق مع هسيس الريح والصراخ الصامت، ترفرف الفراشات بين الفصول والفصول، ذكريات سطرت آخر صفحاتها.‏

وأغلق الكتاب، أغلق الباب وارتمى التراب في قبره الأبدي.أغلق الليل على الفجر الأخير، فمن يذبح السيف ويغالب العشب اليابس، من يفك قيد الرحيل، من يطلق الهواجس من الأفكار المشوشة، من يراوغ الوحشة ويخرج من الهلع، من يزيح الشوك من طريق المسافر، من يخرج الهذيان من الحناجر، من يفتح نافذة على الهواء النظيف.. من.... ومن؟‏

كل النجوم تجثو، وأنا أجثو، وزهر البنفسج يجثو... فليحرسك الله من كل سوء... ياحبيبتي‏

الآن... ماأقل الأضواء، كل شيء ينوس ويتلاشى ولايقتسمني إلا الليل، كل شيء أتلمسه فلاهو صحو ولاهو احتمال. انظر كل الجهات مجهولة ومعتمة، فما أشد ارتباكي وما أعجز أقوالي، لاشيء.. لاشيء... لاشيء، المطر لايغسل سواد القلب.‏

ولاتبدو في الأفق أي نهاية جميلة، كل شيء يغفل عن كل شيء غير أن دمعة الحزن تصرخ من وراء الفؤاد. آه... كم هو فسيح الليل للأحزان الصامتة، كم هو وهم صباح يجيء؟‏

لست إلا هذا الخوف، فكل قبضة تذوب بين الأصابع، أهي حياتنا كلها هذه اللحظة العابرة؟ أهي هذا الحلم الناهض بين الزهر والشوك.. ثم المفاجأة؟‏

كل الوجوه ترنو لحظة الوداع، تذهب بين الأرض والأرض، ولاترمقنا إلا العيون المتعبة في وهج رمادها.‏

ماأشد هذا اللون الرمادي يطغى على كل الألوان.. السماء والأشجار وأجنحة العصافير، ثم هذا الهواء الثقيل يتشتت بين الأهداب والحناجر.‏

أكان كل مامضى وهماً؟ عشباً برياً يخضّر ثم ييبس ثم يموت ولايد تلامس جبهته بحنان، ييبس ثم ينهض مع الريح وتذروه العاصفة غباراً فلا يستقر في مكان.‏

أنا العشب البري وأنا العاصفة واليباس، آكل بعضي وبعضي يأكلني، أنا الذائب كالشمعة، أنحل من تلقاء نفسي فلا ينحدر بي نهار.‏

آه‏

كم هو بعيد هذا العالم كم هو بعيد‏

كل هؤلاء الناس بعيدون... الأطفال والنساء والشيوخ بعيدون... زحام البشر، زحام الحيوانات، زحام العصافير والغابات، زحام الكواكب والنجوم، هناك.... هناك سيزيف العصر أصعد لأهبط... أهبط لأصعد.‏

ماهو البديل‏

من يشبه من إذ يعتريه ظل المقصلة، فأنت أنت كنت جوهر المسألة وإليك الرجعى... وكان دائماً إليك المآل والمصير... إليك حالتي وأنا المصنوع من لحظـة السهر من حفيف الشجر، من الندى يصب في الراحات جنان الصباح.‏

أيها السيدة الحياة.. وكنت بهجتنا الوحيدة والفرح المزغرد.. لكن الحزن، على الدوام، هو المنتصر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية