تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ضباب فوق طهران

كل أربعاء
الأربعاء 24-6-2009م
سهيل ابراهيم

لا أحد يقرر مستقبل إيران سوى الشعب الإيراني, ولا أحد يملك الحق في توجيه أشرعة السفن الإيرانية, سوى القباطنة الإيرانيين,

ولا أحد يقوى على تفسير الحالة الإيرانية الراهنة سوى نخب إيران السياسية والثقافية ومجتمعها الجديد الحيوي الطافح بالأسئلة والحوار والأجوبة التي تبحث عن اكتمالها.‏

فالذين غيروا وجه التاريخ في بلادهم قبل أكثر من ثلاثين عاماً من اليوم هم الإيرانيون بقواهم الشعبية الحية التي أنجزت ثورتها على نظام الشاه محمد رضا بهلوي, بنفير شعبي أسطوري لم يشهده العالم من قبل, والذين بلوروا خياراتهم فيما بعد وزجوا بأنفسهم في ماكينة بناء الدولة والمجتمع بمنظور جديد وعلى إيقاع ديمقراطي قيد النمو, هم الإيرانيون, دون يد خارجية تمتد إليهم ودون مرجعية عسكرية مستبدة في الداخل تحشرهم في علب الولاء والطاعة.‏

اللعبة هي لعبة الإيرانيين منذ البداية, وتعدد الأسئلة فيما بينهم الآن أمر حيوي لا يعيب أحدا منهم ولا يقصيه عن الملعب, ولا يطرده خارج النسيج الذي أخذ بالتشكل رويدا رويدا منذ ثلاثة عقود, والقانون هو الحكم, فليس هناك من لعبة بلا حكم, ولا حكم دون قانون يلزم اللاعبين بحدوده, شرط العدل والنزاهة والحياد واستبطان القيم الفاضلة.‏

إذاً فليترك الملعب السياسي الإيراني اليوم للإيرانيين بأجيالهم المختلفة ورموزهم ونخبهم وحكمائهم وقانونهم الذي يفصل في اللحظة المناسبة بين الجموح والعقلانية, بين التجدد الحيوي والتمرد الانقلابي, بين امتلاك الشارع من أجل دفعة جديدة للمسار الديمقراطي, وامتلاكه من أجل تفجير هذا المسار والانقضاض على مكتسبات القوى الشعبية العريضة التي تتدرع بكرامتها وشجاعتها وتواجه عالما مستكبرا يصادر في كل يوم كرامات الأمم وأحلامها في النمو والمدنية والتطور وفق حاجاتها المادية والروحية.‏

السعار الذي يهب من الغرب منذ الثاني عشر من حزيران الجاري باتجاه طهران يكشف النقاب عما تخفيه عواصم كثيرة على ضفتي الأطلسي, من ضغائن في الصدور ضد الحالة الإيرانية التي اشتد عودها في أفران الثورة في العقود الثلاثة الفائتة, فمراكز البحوث والدوائر الإعلامية والمستويات السياسية في هذه العواصم, تضخ كل يوم سيلا من المعلومات والصور والمواقف التي تصب جميعها في خانة الرغبة في الإجهاز على نبض الثورة في إيران, وإعادة الزمن إلى الوراء أملا في أن تستيقظ طهران ذات صباح لتجد نفسها تحت قوائم عرش شاهنشاهي أو في قبضة ديكتاتورية مقنّعة تهيل التراب على العزم الإيراني الطموح الذي استطاع في زمن قياسي أن يغزو الفضاء وينهض بصناعته الحربية إلى مستويات قياسية, ويدفع عقول علمائه وخبرائه لبناء طاقة نووية للأغراض السلمية.‏

من يصدق أن الكونغرس الأمريكي الذي صدق على مشروع قانون لمساندة الشعب الإيراني, يحرص على المصالح الإيرانية, فيما تبقى مليارات من الدولارات الإيرانية رهن الاحتجاز في البنوك الأمريكية, وهي ملك الشعب الإيراني, ومن حقه, وحرمانه منها هو حرمانه من تحقيق التنمية, ودفعها إلى مستويات أعلى, ومن يصدق أن الانكليز بدوائرهم الإعلامية والسياسية التي تتناوب كل صباح على تأجيج الحالة في شوارع طهران, إنما يبتغون إصلاحا في المشهد السياسي الإيراني, وينتصرون للعدالة في صناديق الاقتراع في أرياف ومدن إيران ومن يصدق أن أنجيلا ميركل مثلا شديدة الحماسة لعمامة محمد خاتمي وثقافته الواسعة ورصانته وهدوئه.‏

هو سعار يهب من الغرب ليقتلع إيران كلها من ثباتها وقوتها وحيوية شارعها, وثقافتها الجديدة, وقوانينها الناظمة لجموح الجامحين وحكمة العقلاء, سعار يكشف الضغائن العارية, ويؤشر إلى الأوهام التي مازالت تراود عقول ورثة الإمبراطوريات المندثرة والإمبراطوريات قيد التشكل, تلك الأوهام التي لا ترى في الأمم والشعوب سوى فرصة لتوسيع مصالحها والاغتناء من رزقها والعبور على ظهرها بأحذية الجنود المدججين بالسلاح.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية