تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حكايات تفرضها الغربة... عرض يتبادل الأدوار مع جمهوره ...

مسرح
الأربعاء 11-4-2012
آنا عزيز الخضر

للعلاقة المباشرة مابين الجمهور والعرض المسرحي آفاق مختلفة ضمن هذا اللون الفني المسرحي ،فلها أشكال متعددة ترتبط بالأسلوب والمدرسة المسرحية المتبعة،لكنها جميعها هدفها الأول والأخير هو الجمهور،

إذ تجسد هذه العلاقة مؤشراً مهماً ، يدل على نجاح العرض ، و أكثر ما يلفت النظر في عروض المونودراما التي يقدمها الدكتور( نمر سلمون ) ضمن حكايات ( داريو الأندلسي) أنها تشرك الجمهور كفاعل مهم في مجريات العرض ، و تتكامل معه ، فالجمهور هنا لا يجسد صفة التلقي التقليدية ، إنما احد الأطراف الأساسية، في تلك العملية المسرحية في(حكايات تفرضها الغربة ) و قد أغنى الجمهور سرديات العرض و حكاياته بحق، لتقلب ملامح ذاك العمل ،من( مونودراما )إلى دراما جماعية،لهاخصوصيتها الحيوية،وآليات فنية جديدة تمكنت من بلورة مضامين متشابكة ،إن صح القول ، إذ استخدم الفنان مفردات درامية و أدوات خاصة، جرت الجمهور إلى ساحة الفعل المسرحي، حيث امتلكها في عرضه من خلال آلية مرنة، تمكنت من تفعيل و تصعيد تلك الحوارات،ثم التنقل فيما بينها ،لتشكيل حالة مسرحية غاية في الخصوصية،حيث تحول الجمهور إلى عناصر هامة في العرض ،وقد بدأ الفنان سلمون من خلال الحديث عن الغربة ،و ماذا تعني وما هي آثارها ثم أبعادها وأشكالها و مسبباتها، و توسع العرض في طروحاته في إغناء تلك الفكرة، من خلال تفاعل الجمهور، ثم تقديمه لآرائه و رؤاه المختلفة،‏

فتمكن العرض من تجسيد الأبعاد و الدلالات الكثيرة ثم الانعكاسات المختلفة ،تلك التي تنبع من تجارب خاصة، تقدم بها أفراد الجمهور، من هنا تأتي أهمية أمثال هكذا عروض ، بكونها تستفيد من اختلاف الآراء و تنوعها، وقد انطلق كل منها من منظور معين ،ومن وجهة نظر فردية و تجربة خاصة ،وعندما تلاقت هنا مجتمعة أعطت المعاني المختلفة والآفاق المتجددة ، فأغنت اللوحة المسرحية، فجعلتها كما اللوحة الحياتية ،و قد استطاع ذاك الأسلوب الإبداعي بلورتها و إنجازها بالشكل الدقيق، خصوصا أن أهمية أي عمل فني، تأتي من مقدرته على محاكاة الحياة، و قد استعرض العمل نماذج كثيرة وحالات ،وذلك بفضل هذا الشكل الفني ، الذي عمل عليه (نمر سلمون) بأسلوب مسرحي خلاق خاص به ،حيث امتلك أبجدية متفردة، لتحريك الجمهور ،و دفعه إلى المشاركة، ثم الاستفزاز لحالات تفاعلية،حصلت بعد أن وجهها ،و كسر حواجز بينه وبين جمهوره ،و نزل عن صالة المسرح ،يتجول بينهم ليشركهم وفق آلية تتماشى مع الفكرة العامة للعرض، و يكونوا فعالين بدورهم فيه ،و قد أطلق في أحيان كثيرة على المسرح التفاعلي تسمية المسرح التحفيزي،لما يتضمنه من آليات تحريضية على التفكير والمشاركة بالرأي والبحث الجماعي ،حيث يمكن لهذا المسرح بالذات القيام بمهمات تنويرية واسعة، من جراء هذا الأسلوب ،لذلك مطلوب من القائمين عليه مهارة فنية و مسرحية خاصة، و ارتجالية مرنة، تعتمد كلها على ثقافة واسعة تستجر تفاعل الجمهور و جذبه كي يتفاعل معهم ايجابيا، يرصدون ردود أفعاله ،كي ينطلقوا من جديد،ويتابعوا عبر بناء درامي ارتجالي، و مفتوح الآفاق، حيث لا يمكن ضبط هذه الحالة ،إلا من امتلك ثقافة مسرحية و تقنية عالية المستوى في هذا السياق ،حتى يتم توجيه آليات التعامل بدقة مع الجمهور، وبالشكل المطلوب ،و لا نستغرب مهارة الفنان (نمر سلمون) في هذا السياق لأن دراساته المسرحية ،اعتمدت أصلا على عفوية الممثل و الدور الإبداعي للجمهور المسرحي، وقد وجدنا إبداعاً حقيقياً في عرضه ،وأسلوبه تفاعلاً و أداء و تطوراً، و رأينا في( المونودراما)التي قدمها تألقا جديداً، بعد أن اعتمد على شخصية رئيسية و واحدة تطورت طروحاتها و علاقاتها، لتشمل اكبر عدد ممكن من وجهات النظر المفتوحة، فأغنت العرض المسرحي بشكل لافت ، ولعب الجمهور دوراً مهماً، في وجهته الراهنة المقرونة بحدود تلك التجارب و الآراء ،التي تتغير في موقع آخر محتمل ،و جماليات تلك التجربة أنها تشتمل على آراء واسعة ،وارتجاليات تبدأ ولا تنتهي ،ومن أكثر من ناحية اجتماعية و إنسانية، وقد حضر هنا التأليف الجماعي إن صح القول،بعد أن ، سأل جمهوره عن تجاربه مع الغربة، و وزع أوراقا طلب منهم أن يكتبوا آراءهم عليها، ثم طلب قراءتها أمام الجميع، لتكون كل فكرة موضع حوار، يتناقش بها الجميع، و تصبح هناك حوارات جماعية، ظهرت من خلالها حالات اجتماعية و إنسانية ،اطلعوا عليها مجتمعين، فكان هناك بوح و مكاشفات بين أطراف عدة ،وكعادته( نمر سلمون) يغوص عميقاً في كل ما يطرحه من أفكار، و ها هو يتعمق بحالات عديدة عن الألم والغربة و البعد عن الوطن، من مناظير متعددة لتظهر تلك الآلام من خلال أشكال عديدة، قد تتعلق بالحالات الثقافية، و قد تتعلق بالحالات النفسية و الفوارق الحضارية ،و غيرها إلا أنه لم ينس أبعاداً أخرى للغربة، حيث تجلت تلك الغربة في مساحات كثيرة ،لأنه يمكنها أن تعيش مع الإنسان و هو ضمن الوطن، إذ نوقشت الغربة من أوجه متعددة ،حيث لكل إنسان غربته الخاصة، و قد ركز على آلامها ،و أي ألم يعيشه الإنسان في أي اتجاه كان، قد يوصله للغربة.‏

العرض (حكايات تفرضها الغربة ) تحدث عن الألم و الحزن ،عن واقع الغربة و تجلياتها الإنسانية و النفسية و رغم الألم و الحزن التي تفرضها تلك الحكايات ،إلا إنه ككل احتوى على مسحة كوميدية ،و حالات تهكمية خلقت كوميديا الموقف والتي أتت متداخلة، مع تلك اللوحات الفنية، فاستطاعت أن تجمع بين الضحكة و الألم و الحزن ومشهدية جماعية، تشعر المتلقين أنهم شركاء حقيقيون بتلك الأفكار و بصياغتها، بالمشاعر والأحاسيس و هذا كله بفضل ، فنان قدير استطاع أن يوجه كل ذلك، بمهارة خاصة،لعرض كان وفياً لشروط اللعبة المسرحية ،تلك التي حلقت في سياق الدراما التفاعلية.وقدمت وجها جديدا يمكن للمونودراما استثماره بامتياز.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية