|
ثقافة فمفردات العرض و حكايته و مضامين أفكاره، تتغربل في موشور الطفولة،اذ تتعلق وبعالمها النابض بالطهارة والشفافية، فالجماليات التي تحملها الطفولة،كفيلة،بتعليم أهل الأرض قاطبة،لذلك علمته ابنته،ابنة العام الواحد الكثير، هذا ما شغل العرض المينودرامي (قالت لي ابنتي) على صالة متعددة الاستعمالات في دار الأوبرا بدمشق للدكتور(نمر سلمون)ضمن سلسلة،(حكايات داريو الأندلسي) وها هو ينقل حكايا جديدة،والتي روتها له ابنته سوسنة،مستعيدا و مترجما ما علمته تلك الروح اليانعة التي تقطر براءة و نقاء، فهي بعالمها ذاك تخلق شرخا كبيرا في مفاهيم بطلنا، وقد وجد مفارقات كبيرة بين عالم سوسنة وعالمه ومحيطه، لذلك جددت كل شيء عنده، أحاسيسه تفكيره موافقة و رؤيته للحياة، فقلبت موازين كثيرة طالما تمسك بها،فقد علمته من حكايات تخيلها،بوحي من عالمها، علمته من دون أن تنطق،و من وجهة نظرها النقية النظيفة البيضاء، استطاعت أن تكشف له مفاهيمه المغلوطة،فالفنان يقدم حالات افتراضية ومقترحات، مقرونة بإلهام ذالك العالم الطفولي، فيعرفنا عليها مثلما عرفته اياها سوسنة،كم نحن جهلاء..! فحضور تلك الطفلة في العرض بحد ذاته كان ملهما حقيقيا،لفعل كل ما هو جميل، فكيف إن حضرت بوجود سلبيات كثيرة،يعج بها عالم الكبار، هذا يثير الكثير من الاسئلة،فكيف ستكون الأخيرة، من منظور عالم الطفولة ذاك النموذج ـالمثال في الحياة، فعالمهم معلم لنا شئنا أم أبينا، أما حكواتي العرض يعيد علينا ما علمته إياه ابنته، حيث روت له حكايات تعلمه الحياة من منظور أفضل، حتى تعيد تأهيله، تخيلها و ترجمها،لكن برؤية أكثر نصاعة، لان ابنته من أضاءتها،وأشارت لها،فكانت بعينها وروحها، لذلك امتلكت آفاقاً أكثر غنى ونقاء، وهو بدوره يرويها لنا على شكل حكايا، ويتعامل في هذا العرض ككل عروضه، يبدأ من شكل الفرجة الشعبية،ثم ينطلق إلى شكل مسرحي له استخداماته الخاصة ومفرداته،منتهجا أسلوبا مغايرا جديدا،معتمدا على خصائص الحكواتي التفاعلية،حيث أثارها بطرق عدة،أوصلته إلى خلق المتعة الفنية الحقيقية،وذالك من خلال أجواء مسرحية،تتشابك فيها التفاصيل الفنية ذات التقنية المسرحية العالية المستوى،مع آليات تفاعلية تعتمد على التعاطي الخلاق،والتجاذب السلس المأخوذ بالعفوية،مما أضفى على العرض مشهديه فنية نادرة،يعيشها الجمهور السوري،ويضطلع بها على شكل جديد،،يدمج بين موروث ثقافي مألوف،وتقنية مسرحية خاصة،ليقدم بذالك لوحة فنية تكاد تقترب من الظاهرة،خصوصا أن نفس الفنان،كتب ومثل وأخرج العشرات من الأعمال الفنية في نفس الإطار،ولاقت عروضه إقبالا واسعاً، فهو في كل عمل جديد يبدع أفكارا متجددة غنية،تتطلب حضورا لطاقة الممثل و لقدرته الخاصة،فأنجزها هنا بالمشاركة مع ابنته، بيسر و بطريقة رسمت إيقاعا مضبوطا، وجهه ممثل متمكن من شروط الإتقان لتلك الآلية،حيث يتطلبها بالضرورة هذا الشكل المسرحي، فحافظ عليها خلال لقاء خاص، جمع بين فنان، أتقن حرفته الفنية بامتياز و بين جمهور يشارك بعفوية مطلقة، فهذه الثنائية جسدت إبداعاً حقيقياً، و قد تمكن نمر سلمون من توجيهها خصوصاً أن العرض عمل على تجسيد علاقة خاصة ما بين الجمهور بحضور الطفلة التي ألهمته فكرة حكاياته الجديدة،التي صححت له الكثير من المفاهيم و الأفكار، و هي ابنة الحول الواحد مثلما أكد الفنان نمر سلمون في أحد لقاءاته حول نفس العرض قائلا: صححت ابنتي مفاهيمي بفلسفتها الخاصة، و قد عرفت من الحياة، في عام أكثر مما عرفته أنا خلال ال48 عاماً فما كان منها إلا أن أشفقت علي،و بدأت بحكايات تؤهلني نفسياً من جديد، للتعامل مع الحياة بالشكل المطلوب، حيث أشعرتني سوسنه أنني جاهل. نعم لقد وجهته سوسنه و غيرت مفاهيمه، فعلمته الكثير، و أخبرته بحكايات كثيرة،نقلها لنا،حيث كان للفنان فهم دقيق يتعلق بعالم الطفولة،والفنان لم يترجم الحكايات فقط،وإنما نقل لنا شكل علاقته بابنته،معجونة بمعرفة خاصة،حول عالم الطفولة،والتي أنجز سلمون حولها العديد من المسرحيات،دون أن ننسى اهتمامه بسلبيات واقعية،أراد الفنان تعريتها،وقد عمل في العرض (قالت لي ابنتي)على استحضار مفارقات تفضح الكثير من السليبات،و أتت مواتية لمقترحات سوسنه،التي تحمل الوجه الايجابي المقابل لها،فهي تستحق أن تكون معلمة، لمن أراد التعلم و الاستفادة من عالم الطفولة، تلك المرحلة المليئة بالعفوية و التلقائية و الحيوية الرائعة، وقد أوحت للفنان نمر سلمون بالكثير،فتمكن من بلورة معرفته حولها باقتدار، خصوصا ان له أعمالاً كثيرة تهتم بعالم الطفل ومفاهيمه و عقله، و قد شارك بأكثر من مرة محكماً في لجان أدب الأطفال، في كثير من المسابقات العربية، لذلك نقل لنا صورة حية و دقيقة،عن ذلك العالم،عبر عرض مسرحي خلاق، و قد شاركته ابنته سوسنه في عمله على خشبة المسرح،و بدت كأنها فنانة حقيقية بعفويتها، فخلقت عالماً آخر موازياً لما قدمه الفنان المبدع من تفاصيل ترتبط بالطفولة. |
|