تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سمير طحان الرجل الذي لا ينضب

كتب
الأربعاء 11-4-2012
فيصل خرتش

ولد في قرقيزيا البصيرة، حيث يصب نهر الخابور في نهر الفرات، على ما أعتقد، وهي من أعمال دير الزور في وطنه سورية، وليست قرقيزيا التي تقع في أواسط آسيا، كما قد يظن البعض. وأعتقد جازماً أن ذلك كان في سنة 1947.

ثم تكلّل ذلك بدخوله معهد الأرض المقدسة في حلب لتلقي تعليمه، ونال الشهادة الثانوية، ثم عمل كأمين للسرّ في المعهد.‏

ثم التحق بخدمة العلم، وتخرج في مدرسة الهندسة العسكرية نقاباً لغاماً اختصاصياً بالمتفجرات، وكان يدرب العناصر على الألغام ونزعها وتفجيرها.‏

وفي عام 1970 انفجر لغم كان يزرعه، أودى بيديه وببصره، وبعد عدّة محاولات يائسة استؤصلت عينه اليمنى، فأرسلته وزارة الدفاع إلى إسبانيا – مدريد للعلاج.‏

زرعت له في عينه اليسرى قرنية اصطناعية، فاستعاد جزءاً طفيفاً من الرؤية، كما زرعت لـه طبلة في كلّ أذن، ثم عاد إلى حلب، وفي غمرة مشكلاته، أخذ يفقد تدريجياً ما استعاد من بصره، وحالت ظروف قاهرة دون سفره إلى مدريد لمتابعة العلاج، مّا أدى إلى فقدان بصره نهائياً... وفي ذلك الوقت أحيل على التقاعد، فخرج من ملاك وزارة الدفاع إلى ملاك وزارة المالية. وفي هذه الفترة تزوج.‏

طبع كتابه الشعري الأول «ولاويل بردى» وبموجبه قبل في اتحاد الكتاب العرب، ومُنح إعانة تقدر بمبلغ خمسمئة ليرة سورية فقط لا غير. ثم طبع وعلى نفقته الخاصة كتابه الثاني «هناهين قويق». وقويق كما هو معروف، نهر في حلب، ثم أرسلته وزارة الدفاع إلى معهد «فيودوروف» للطبّ العيني في موسكو، لدراسة إمكانية إعادة البصر إلى عينه اليسرى، وباءت الرحلة بالفشل.‏

أرسلته وزارة الدفاع إلى مشفى «القديس لويس» في باريس، لتدارك التلف الذي ذهب بسمع أذنه اليسرى.‏

عام 1985 أنجز الجزء الأول من كتاب «الحالات» على شريط مسجل بصوته عند متطوعة كانت تساعده في القراءة والكتابة. ثم أنجز الجزء الثاني من كتاب «الحالات» عند متطوعة أخرى، لكنها أضاعت الشريط، ولا يزال ضائعاً. وبسب خلافات عائلية، انتقل إلى بيت أخيه موزعاً يومه بين بيت أمه وأخيه. وقتها تعرّف على الأستاذ «يانيك لوفران « وبدأ يترجم معه منتخبات من الشعر الشعبي السوري، وأفردت لـه أمّه غرفة في بيتها، ولا يزال يتابع فيها عمله وبحثه، وتمتنت أواصر الصداقة بينه وبين « سمير كويفاتي» و « ميّادة بسليس « وبدؤوا مسيرة فنية ستبقى مستمرة.‏

1995، توفيت أمّه، وبدأ بكتابة الجزء الضائع من كتاب « الحالات « وأنجزه في عام 1999. هذه سيرة رجل فقد بصره ويداه وسمعه، لكنه ما زال يحيا ويتكلّم، وهو رغم الخذلان الذي أحاط به، يغني... ورغم الحالات الصعبة التي أصابته ما زال يكتب وينشر، فهو قد أصدر حتى الآن أكثر من دزينة من الكتب.‏

هذا هو سمير طحان الرجل الحي، المأساة الدائمة، المتمثلة بهذا الإنسان الذي تراه يمشي ليلاً وهو بيد أحد المتطوعين، يمضي في الشوارع إلى أين ؟ إلى حيث تأخذه رجلاه، لم أتحدث عن ثقافة الرجل، فربما عندما تقرأ كتبه تعرف ثقافته منها. ولم أتحدث عن مشكلاته ومصائبه لأنك إذا رأيته ستعرف حجم المأساة كم هو كبير؟‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية