تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الرؤساء يتغيرون والاستراتيجيات تبقى..!

لوموند ديبلوماتيك
ترجمة
الاثنين 8/9/2008
ترجمة: حسن حسن

أظهر المرشح الديمقراطي باراك أوباما في خطابه الموجه إلى مئات الآلاف من الألمان, حلف شمال الأطلسي على أنه أكبر تحالف تم تشكيله على الإطلاق في سبيل الدفاع عن أمننا المشترك في حين رغب المرشح الجمهوري جون ماكين لو أن هذا الأخير, أي الحلف,

تورط أكثر في النزاع الدائر في جورجيا وعلى الرغم من التباين فيما بينهما إلا أن ما يجمع بين الحزبين الأساسيين الديمقراطي والجمهوري هو التصور ذاته عن مكانة الولايات المتحدة في العالم.‏

فالولايات المتحدة تمتلك أقوى جيش في العالم وهي تتفوق بمراحل كبيرة عن جميع الامبراطوريات السابقة لها حضور طاغ في البحار والأجواء والفضاء, كما تستطيع واشنطن أن تلقي بقواتها بسرعة قياسية وعلى مسافات كبيرة وبهذا الشكل هي أشبه بعمدة يتحرك تلقائياً, وينتقل من أول إلى آخر الكوكب بحثاً عن فرض السيطرة و استغلال الأزمات الحقيقية منها أو الوهمية, وقد أكد هذه الحقيقة وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد بالقول: )ما من زاوية بعيدة في العالم أو جبل عال, أو كهف أو مخبأ في باطن الأرض يلجأ إليه أعداؤنا إلا في متناول أيدينا, فالولايات المتحدة تخصص 20 في المئة من ميزانيتها السنوية للجيش, ناهيك عن النفقات العسكرية الأخرى في باقي العالم.‏

وتضمن الولايات المتحدة سيطرتها بإقامة قواعد عسكرية بحرية وجوية, وهي موجودة في أكثر من مئة دولة, لعل أحدثها هي القواعد التي تم انشاؤها في بلغاريا, جمهورية التشيك , بولونيا, رومانيا, تركمانستان, قيرغيزستان, طاجكستان, وفي أثيوبيا وكينيا ولديها ست عشرة وكالة استخبارات تنشر مكاتبها في كل بقعة من بقاع العالم, وهي بمثابة العين والاذن لهذه الأمبراطورية المترامية الأرجاء أضف إلى ذلك تمتلك واشنطن اثنتي عشرة حاملة طائرات, ثلاث منها فقط غير نووية ناهيك عن الطرادات والمدمرات والغواصات المزودة بصواريخ استراتيجية.‏

بين عام 2006 و2008 شهد الوجود الأميركي في شرق المتوسط والبحر الأحمر والخليج والمحيط الهندي على رغبة واشنطن في إظهار قوتها في كل مكان من العالم وعند الحاجة تلجأ واشنطن إلى تقديم مساعدات إنسانية سعياً وراء مكسب سياسي محتمل.‏

ومهما كان طابع تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى سواء أكان مباشراً أو غير مباشر وعلنياً أو سرياً, مدنياً أو عسكرياً, فإن هذه التدخلات شكلت ومنذ عام 1945 حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأميركية, فواشنطن لم تتردد في أغلب الأحيان وبصورة أحادية في أفغانستان , باكستان, العراق, لبنان, فلسطين, إيران , سورية, الصومال, السودان, أوكرانيا, جورجيا,كازاخستان, نيكاراغوا وبنما.. في الدفاع المستميت عن المصالح الأميركية وإغداق المديح على وصفاتها المختلفة من الديمقراطية إلى الرأسمالية وحقوق الإنسان, وعندما راحت واشنطن تصدح بأغنية الدفاع النزيه عن حقوق الإنسان والبرامج الاجتماعية وتحرير المرأة ودولة القانون والديمقراطية للجميع, كان كل ذلك وفي جزء كبير منه مجرد خدعة فالزعماء الأميركيون لهم نفس الأولويات المتمثلة ب بهزيمة شبح الشيوعية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي وخنق الإسلام الراديكالي منذ أحداث 11 أيلول.‏

تقرير اللجنة الثنائية المؤلفة من بيكر وهاملتون حول العراق, والذي نشر في 6 كانون الأول 2006 لم يلق بالاً للفوضى الحاصلة على ضفتي دجلة وإنما للانعكاسات المحتملة على الولايات المتحدة نفسها: )العراق( ضروري للاستقرار الاقليمي والعالمي أيضاً فهو يلعب دوراً هاماً بالنسبة للمصالح الأميركية لأنه يحتل المرتبة الثانية من حيث الاحتياطي النفطي في العالم وهو اليوم بمثابة قاعدة عمليات للإرهاب الدولي و القاعدة, والعراق أيضاً يمثل الجزء الأساسي من السياسة الخارجية الأميركية ويؤثر بالطريقة التي تراها أميركا مناسبة في المنطقة والعالم باختصار تكمن أهمية هذا البلد الذي تم اجتياحه في أن انهياره سيلطخ صورة أميركا في العالم.‏

وبالاتفاق مع جوقة خبراء السياسة طالب جيمس بيكر الجمهوري( ولي هاملتون الديمقراطي أن تواصل واشنطن التصرف في الشرق الأوسط كأنها صاحبة الأمر والنهي, والتقرير كان واضحاً جداًفي هذه النقطة: حتى بعد خروج أولوية التدخل الأميركية في العراق سنحافظ على أهمية الوجود العسكري في المنطقة فبفضل قواتنا العسكرية الموجودة على أرض العراق, وانتشار قواتنا البرية و البحرية والجوية بدءاً من الكويت, البحرين وقطر وانتهاء بوجودنا المتنامي في أفغانستان( .‏

ولنتذكر أن دور الولايات )لامثيل له( في العالم حيث ) قلة هي المشكلات التي يمكن حلها دوننا( هذا ما أقرت به ربما بسلامة نية وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزارايس التي أردفت قائلة: )نحن الأميركيين نلتزم بسياسة خارجية لأن ذلك هو واجب علينا, وليس لأننا نريدها, هذا هو الموقف السديد, موقف جمهورية وليس امبراطورية.‏

مع ذلك حتى انتقادات المعتدلين للسياسة الخارجية التي اتبعتها إدارة بوش تتفادى توجيه اللوم لواشنطن على دعمها اللا محدود واللا مشروط لإسرائيل ومثلما يرفض المحافظون الجدد الربط ما بين التعثر في العراق والمأزق الإسرائيلي - الفلسطيني فإن البعض الآخر عبر عن تحفظه حيال نتائج تقرير بيكر- هاملتون ولاسيما تلك النتيجة التي تقول إن الولايات المتحدة )لن يكون بمقدورنا بلوغ أهدافها في الشرق الأوسط إلا إذا انخرطت مباشرة في الصراع العربي- الإسرائيلي وعدم الاستقرار الاقليمي الناجمه عنها , وعلى النحو ذاته فيما يخص قضية إيران حيث يتحدث الديمقراطيون والجمهوريون تقريباً باللهجة ذاتها, بما أنهما متفقان في التخطيط لعمليات تدخل سرية, ملوحين دائماً بفرض حظر اقتصادي معزز أو عمل عسكري.‏

إن الامبراطورية الأميركية لم تكن ولن تكون أبداً على مقاس شخصية بوش كما أنها لن تكون غداً صورة طبق الأصل عن شخصية ماكين أو أوباما , ولقد تمكن المرشح الديمقراطي التعبير باسم الحزبين معاً عندما أعلن في آذار 2008 )ترغب سياستي الخارجية في العودة إلى السياسة الواقعية وحكومة الحزبين التي اعتمدها جورج بوش الأب وجون كيندي, وبوجوه متعددة سياسة رونالد ريغان.‏

ما من مرشح للرئاسة الأميركية إلا وطرح حلاً بديلاً للمهمة الامبراطورية في علاقات القوة المتنازعة مع إيران, الصين , الهند, دون أن ننسى روسيا القوية, وهي دول أربعة تحاول إقامة أشكال وطنية للرأسمالية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية