تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الرياضة

آراء
الاثنين 8/9/2008
أ.د يوسف سليم سلامة

لن تكون السطور التالية القليلة مخصصة للرياضة بما هي كذلك, لأن الرياضة, من هذه الزاوية, موضوع لا نعرف عنه إلا القليل. وهذا لا يخطرنّ ببال أحد أن الرياضة الروحية هي ما سنتحدث عنه فعلاً.

إن الرياضة البدنية هي ما نريد أن نتخذ منه متكأ لسوق بعض التعليقات حول العرب وحياتهم ومكانتهم ومستقبلهم في القرن الحادي والعشرين.‏

ثمة مقاييس أو معايير متعددة يلجأ إليها المحللون للتعرف على مكانة الأمة أو الدولة أو لتحديد المستقبل الذي بوسع هذه الأمة أو تلك أن تصنعه لأبنائها, وخاصة لأبنائها الذين لم يولدوا بعد. ذلك لأن الأجيال الحالية مسؤولة إلى حد كبير عما ستكون عليه أوضاع الأجيال المقبلة, مثلما أن الأجيال السابقة مسؤولة -ولو بدرجة ما- عن أوضاع جيلنا ومستويات حياته ونوعية ثقافته ومستويات التعليم التي يستطيع أن يحصلها أو التي لا يستطيع أن يحصلها أبداً باستثناء ثلة من المحظوظين الذين جمعوا في شخص واحد بين السلطة والثروة.‏

ولو عدنا إلى تذكر بعض ما جرى في أولمبياد بكين, لكان على كل عربي أن يشعر بالذهول و الهوان -ولربما بالذل أيضاً- بسبب النتائج التي تحققت للفرق العربية مجتمعة. فكل ما فاز به العرب من ميداليات لا يتجاوز الثماني من كل الألوان والمعادن وليس من الذهب وحده. وفي مقابل ذلك نجد أن لاعباً واحداً من أحد الفرق غير العربية قد حصل على ثمان من الميداليات الذهبية. ولن نتحدث عما فازت به الصين أو الولايات المتحدة أو غيرهما من الجوائز عن الأداء الرائع والمتميز والمتفوق لفرق هذه البلدان ولاعبيها.‏

وأول ما يستخلص من هذا المشهد العام هو أن ضعف الأداء العربي, حتى في مجال الرياضة البدنية, مقترن بضعف العرب وتخلفهم في شتى المجالات الأخرى. فالعرب ليسوا متقدمين في أي مجال آخر حتى نجد ما يشفع لتخلفهم وضعفهم في مجال الرياضة البدنية. وفي مقابل ذلك فإن البلدان التي فازت بالجائزة الكبرى في هذه الأولمبياد ليست متقدمة في المجال الرياضي وحده, بل تقدمها شامل وليس بوسعنا أن نستثني أي مجال نستطيع الزعم بأن تلك البلدان لم تحقق فيه تقدماً.‏

وثاني ما يمكن استخلاصه هو أن العرب قاطبة ليسوا مهتمين باكتشاف المواهب في المجال الرياضي ولا في المجالات غير الرياضية. وحتى إن كشفت موهبة عن نفسها للمسؤولين في هذا المجال أو ذاك, فغالباً ما لا تلقى هذه الموهبة ما تستحقه من صنوف الرعاية والاهتمام, وكأن العرب, في مجملهم, خصوم للتميز والتفوق, في حين أن كل الشواهد والأدلة تثبت أن كثيراً من العرب الذين تفرض الهجرة عليهم فرضاً, يحققون من النجاح ما يلفت انتباه المسؤولين في أوطانهم الجديدة, فيحظون منهم بكل التكريم والرعاية. وهذا يدل على أن العربي بفطرته كغيره من البشر يتفوق عندما يكون الوسط الذي يحيا فيه مشجعاً على التفوق ودافعاً إلى التميز.‏

وثالث ما يمكن استخلاصه هو أن الحكومات العربية تنظر إلى نفسها على أنها المركز الوحيد الذي يجب أن يحيط بكل شيء, وأن ينحصر في يده اتخاذ كل القرارات المتعلقة بكل القطاعات وحتى بأفراد الشعب فرداً فرداً. ومن المؤكد أنه ليس بوسع حكومة تفكر على هذا النحو -مهما أوتيت من القوة والجبروت والعلم- أن تنهض بأعباء هذه المهام على الوجه الصحيح والملائم. فليس بوسع الحكومة, في الحقيقة, إلا أن تضع الخطط الكلية وتشرف على تنفيذها بدلاً من أن تشغل نفسها بكم هائل من التفاصيل التي يمكن لغير الحكومة أن يتفرغ لها وينهض بعبئها.‏

ورابع ما يمكن استخلاصه هو أن امتناع الحكومات العربية بضرب من المشاركة الشعبية, من خلال المجتمعات الأهلية والمدنية, من شأنه أن يعين الحكومات على تحقيق خططها وأهدافها, على العكس مما تظنه هذه الحكومات من أن مؤسسات المجتمع المدني والأهلي قد تتحول إلى لعب دور منافس لها, في حين أنه ليس من شأن جمعيات وتجمعات أهلية ومدنية أن تفكر إلا في إكمال ما لا تستطيع الحكومة إكماله, أو في القيام بما لا تستطيع الحكومة التفرغ له ولا تخصيص الموازنات الضرورية له لكون الدخل الحكومي, في كثير من الأحيان, ليس له أن يغطي كل عناصر الخطة الاجتماعية والاقتصادية.‏

وأخيراً الثقة بالفرد, بوصفه مواطناً, مدخل ملكي لتصحيح العلاقة بين الفرد والدولة, ومدخل ملكي أيضاً للفوز بقدر أكبر من الميداليات في أولمبياد لندن المقبلة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية