تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التجلي الأخير لغيلان الدمشقي ..أخطبوط الخوف .. وبصيص النور

سينما
الاثنين 8/9/2008
فؤاد مسعد

بكثير من الجرأة يتناول المخرج هيثم حقي في فيلمه (التجلي الأخير لغيلان الدمشقي) عدداً من القضايا التي تصب في نهاية المطاف عبر خانة واحدة وهي الوضع العربي الراهن وما آلت إليه حال المثقف العربي , فقد استحضر من الماضي رجال فكر وما عانوه نتيجة فكرهم التنويري واستحضر أيضاً طريقة التعامل معهم والمصير الذي آلوا إليه (القتل , الإبعاد , إحراق كتبهم .. ) ..

كما آثر الذهاب من خلال بطله المعاصر (سامي) إلى أفق أبعد من مجرد طرق باب من باتوا هامشين في المجتمع فغاص في عوالم إنسان ميت حي , ليس لديه قرار أو أي انفعال تجاه المحيط حتى أنه لا يسعى لمجرد الخربشة على جدران الحياة , غير فاعل وغير منفعل , سلبي بكل شيء فيكفيه همه اليومي (الحيواني) الشراهة نحو الطعام حتى وإن كان فاسداً , وشبقه الجنسي الذي يكتفي فيه بالنظر من خلف الستار وفقط .. لقد كان الخوف كالأخطبوط الذي يتمدد في داخله ويسيطر عليه وحين قرر التخلي عنه في أبسط الأمور ليلعب دوره في الحياة وإن بخجل وتردد كان حتفه هو الأقرب إليه الذي لقيه ليعود به كما كان دائماً .. صامت لا دور له ..‏

قاطع حقي بين المعاصرة والتاريخ من خلال شخصيتين متناقضتين غيلان الذي مثّل قوة الفكر والحجة الساعي للإحقاق الحق وسامي الذي مثّل فكرة الخنوع والاكتفاء بالعيش على صدى الانتصارات المتخيلة , ولكن كيف وصل سامي إلى ما وصل إليه ? هل أصبح مسحوقاً عاجزاً بالمصادفة أم أن هناك تراكمات لعبت دورها في وصوله إلى القاع ? أهو تطور طبيعي لفكر أنتج غيلان الدمشقي والكواكبي وابن رشد أم تراه تطور طبيعي لمن حاولوا وأد ذلك الفكر ?.. ربما من أبرز العناصر التي تجلت في الفيلم مقدرة المخرج على اللعب على وتر السلطة والفكر , فالفيلم مليء بالدلالات (صور الحشرات التي يلصقها البطل كل صباح على ورقته , العصافير في القفص ..) ولعل من أبرز الدلالات المضحكة المبكية مشهد الكباريه الذي عكس الوضع العربي المتردي حيث توحّد العرب على خشبة العرض مع الراقصات على أنغام أغنية (العرب ما بو مثلهم) !.. ولكن في المقابل هناك مشاهد تجلت وكأنها هاربة من الحياة مثّلت بصيص النور في الفيلم عبر هروب (كيندة علوش) لتنضم إلى من تحب الشاب الذي يعرف ما يريد ويسعى إليه وله قراره ورأيه والذي يمثل مع رفاقه الوجه الآخر من المعادلة الرافض للاستكانة ..‏

لا بد من القول: إن المثير للدهشة اختيار المخرج بطله شخصية عديمة الفعل وبالتالي قد لا تشكل جاذباً للجمهور ليذهب إلى دار العرض السينمائية ويشاهد الفيلم .‏

(التجلي الأخير لغيلان الدمشقي) تأليف وإخراج هيثم حقي وبطولة فارس الحلو , وتمثيل : كيندة علوش , قيس الشيخ نجيب , رضوان عقيلي , انطوانيت نجيب , رامز الأسود , نزار أبو حجر , قمر عمرايا , صبحي رفاعي , حنان نايف , أسامة حلال , ناصر وردياني , رياض ورديان , أسامة السيد يوسف , باسم ياخور , رامي حنا , نضال نجم , إياد أبو الشامات , مانيا نبواني , شادي علي .. ويُعد هذا الفيلم باكورة إنتاجات (reelfilms prodactions) السينمائية التي يشرف عليها المخرج هيثم حقي وفي جعبتها عدد من الأفلام الأخرى التي يتم إنجازها من قبل مخرجين سوريين وعرب لتكون بمثابة مشروع إبداعي يعمد في أحد أوجهه إلى بلورة دور حقيقي للقطاع الخاص في مجال السينما يأخذ دوره الرديف للقطاع العام .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية