تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كي لانستمر في(التشكل الكاذب )

معاً على الطريق
الاثنين 8/9/2008
خالد الأشهب

لأننا في الأصل نستقبل المفاهيم ولا ننتجها , ولأننا نبادر إلى فهمها واستيعابها لا كما هي عليه , بل كما نريد ان تكون عليه , ولأننا قد نخطىء في تعريبها وإعادة نحتها بمفرداتنا ولغتنا ,

وبأهوائنا وميولنا , فإننا كثيرا مانقع فرائس المحنط والمبتور عن بيئاته الأصلية من هذه المفاهيم , فنغرق في رموزه ودلالاته الشكلية دون حقيقته , ونستغرق في الاحتفاليات دون الافكار , حتى تتكرس وتتوطن على خطأ نتوهم أنه هو الحقيقة الأم , ثم ليصدمنا واقع أن ما اعتقدنا أنه الطريق .. أوصل غيرنا وتاه بنا أو تهنا به , أفاد من أنتجه وأضر بمن استعاره.‏

مفاهيم الثقافة والمثقف ومفاهيم الديمقراطية واليسار ومثلها مفاهيم الحرية والتحرر وغيرها الكثير , من جملة ذلك السيل الهائل من الأفكار والمفاهيم التي وردت إلينا منذ بدايات عصر النهضة , نتعاطاها اليوم وننهمك في بحثها أو البحث عنها بذات الطريقة والأدوات وإن اختلفت المسميات والألفاظ , ولأننا استغرقنا في احتفالية هذه المفاهيم ورموزها المشخصة على حساب حقائقها والمجرد منها , في مقابل عجزنا عن إدراكها كما هي في بيئاتها الحقيقية , فقد وقعنا على الدوام في محظوراتها , استسهلنا الأخذ بالرمز والدلالة على المضمون واللب , ثم مارسنا انتقائيتنا في الفصل بين الساق والجذر والأوراق والثمار لكل منها , رفضنا وحدة هذه الأشياء لأن بعضها لايناسبنا فيما يناسبنا البعض الآخر , فمن هذا أخذنا ساقا وثمارا , ومن ذاك أخذنا جذرا وأوراقا , فما حصلنا على نبته من هذا أو من ذاك.‏

ثمة ) تشكل كاذب ) عندنا كما يقول شبينغلر , تشكل يبدو من خارجه موضوعيا ومتوازنا فيما هو هش ومتهالك من الداخل , والتشكل الكاذب إياه لا يمس جانبا دون غيره من حياتنا , بل يتطاول إلى معظمها وينخر في لبها رغم مظاهرها الاحتفالية الخارجية التي لاتنبىء عن حقيقة تشكلها , فالثقافة وفق تشكل كهذا نوع من الاختصاص للقلة والبعض دون الآخرين , يمارسونها عبر مجموعة من الاحتفاليات والدلالات , ودون أن تتحول إلى وجدان عام ووعي , ولا إلى سلوك يومي أو مفاهيم عمل أو غير ذلك , والمثقف على شاكلة الثقافة , اختصاص أيضا تزينه مجموعة من أنماط السلوك السلبي كالانعزال والترفع , مثلما هي الديمقراطية صناديق انتخابات وأوراق وأصابع مغموسة بالحبر , حتى اليسار صار تعبيرا عن فرز لا عن نهج ورؤية .. وهكذا!‏

حقيقة , لدينا الكثير الكثير مما ينبغي أن نهدمه في جدار التشكل الكاذب إياه , ودون أن نقارب نيتشه في طريقته لبناء المعبد الجديد عبر هدم المعبد القديم بالكامل , لدينا الكثير الكثير مما ينبغي أن نستقبله بطريقة صحيحة أولا , قبل النظر في انتقائية مايناسبنا وما لا يناسبنا , إذ كيف لمن يجهل الأشياء أن يجيد تقدير أهميتها من عدمها, وان ينجح في تقدير مايحتاجه وما لايحتاجه منها ??‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية