تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حكيم مرزوقي.. غير راضٍ حتى عن (قلبه)!

ثقافة
الاثنين 8/9/2008
لميس علي

غرفة وحيدة ..بجدران سوداء.. تخلو من أي اثاث يذكر ما خلا سرير أبيض بغطاء أحمر.. وخيط يتدلى من الأعلى حاملاكيس (السيروم).. مجرد خيط رفيع يحمل إمكانية الحياة.. الإنعاش.. إنعاش الحياة حبَّا!

وكما لو أنه إيماءة الى خيط الحب الرفيع الواهي الذي ربط يوما المريض المقيم بتلك الغرفة ذات الرقم (213) بمجموع نساء كثر أحببنه.. فكانت بعضهن ضحية لهذا الحب.‏

الغرفة (213) هي ملتقى المريض الشاعر كما تروي الحكاية المزعومة,(رزق الله عبوّد) بآخر صبيباته -ضحاياه, الممرضة(غصون) . وهي المكان الذي تتم فيه أحداث مسرحية (قلوب) المقدّمة مؤخرا على مسرح القباني , إخراج وتأليف: حكيم مرزوقي.‏

لتشهد هذه الغرفة قصص غرام قلوب ثلاث نساء عشقن ذات الرجل.‏

أولاهن الزوجة (سوزان-رباب مرهج) ذات الحسب والنسب والغنى, والثانية العاملة الكادحة(غصون-هيلين الجنابي), وثالثتهن العشيقة الحوايرية(ميساء-رولا ذبيان)..عشيقات ثلاث تنتمي كل منهن الى عالم مختلف تماما عن عالم الأخرى, والجامع بينهن هو ذاك الرجل.. حبهنّ له.‏

في (قلوب) لن تكون غرفة المريض مكانا لعلاج المرض والتحرر منه ومن مسبباته.. إنها المكان-الشاهد على تفجّر قلوب لوعة وحسرة.. قلوب لُسعت بفعل الهيام والهوى.. فهل تقدر على علاج هذا النوع من المرض?‏

ليس مهما-بالطبع-الجواب.‏

لأن المكان المفترض (غرفة في مشفى) لن يطرح ويقدم بهذا الوصف بمقدار ما سيكون (منطقة فاصلة بين الحياة و الموت).. إنها منطقة تحتضن تفاصيل حيوات أناس لن تختلف عن تفاصيل حيوات أناس (الرصيف), الذين يحسن المرزوقي التقاط حكاياتهم, حكايا أناس الشارع, وإعادة صياغتها على الخشبة.‏

فالشيء المشغول عليه, في أعمال المرزوقي, على العموم هو انتشال تفصيل ما لحياة شخص ما وزرعها على المسرح, بث الروح فيها لتغدو قادرة على إيهامنا بأننا نرى شخصيات حقيقية.. بأذرع وأرجل وقلوب تنبض.. حتى يكاد يصل نبض تلك القلوب الى مسامعنا..‏

في (قلوب) خفت النبض قليلا, عن نبض قلوب شخوصه في أعمال سابقة.‏

فهل للأمر علاقة بجرعة الكوميديا الزائدة عن المعتاد في مسرحيات حكيم..‏

وبتعبير أدق.. ليست جرعة زائدة , إنما ما جعلها تبدو كذلك , مجيئها دون شحنة/جرعة ميلودراما مقابلة, كما يلاحظ في أعمال: بساط أحمدي-حلم ليلة عيد...‏

فدائما أتقنت شخصيات المرزوقي التي يخلقها, وأحسنت نقلنا ما بين غمّها وفرحها, ما بين همّها ونكتتها العابرة .. ودائما هناك لحظات بوحها, ومونولوجاتها القادرة على سرد تفاصيل هامة تعنينا كما تعنيها بالضبط.‏

هنا .. ومع تلك (القلوب) تلاشى صوت الشخصيات الداخلي.. خفت البوح لصالح عنصر الحركة, ولصالح (حكي) تلك النساء مع بعضهن فلم نصل الى منطقة الألق العميق الداخلي التي يحسن المرزوقي في نبشها وفلشها أمامنا .. الألق الحقيقي النابع من ألمه الأصيل.‏

ولعل.. خاتمة العرض التي جاءت بصوت المرزوقي , أو صوت الشاعر رزق الله عبود المزعوم, كانت بصبغة درامية يمكن لنا تخيلها ,لأنها وضعتنا في جوّ مختلف عن جو العرض تماما.‏

دراما الصوت التي اخترقت ايقاع العرض العام فعوّضت عن دراما حقيقية فقدت على طول العمل. على الرغم من أنه لم يكن ماثلا أمامنا على الخشبة نجح ببث ومنح ذاك الإحساس الذي قلب المعادلة كليّا في اللحظات الأخيرة.. فهل تراه-أي المرزوقي- ليس راضيا عن أي شيء, معبرا عن شخصية عبود.. أم هل تراه يحمل ,عدم رضاه ذاك, في طياته اشارة ولو بسيطة جدا عن عدم رضاه حتى عن عرضه هذا..‏

احتمال جائز.. ويجوز أنه أراد عبر هذه التصريحات المليئة والمتخمة بعدم الرضا والتذمر من كل شيء,أراد نقض الأمور والأحداث التي رويت لنا على لسان النساء الثلاث ومن وجهات نظرهن. وبالتالي تسحب إدانة هذا الرجل غير الموجود فيزيائيا.. ويجعلنا نعيد النظر بما طرح علينا وقدّمته لنا النسوة من وقائع .. ولعلها ليست وقائع دقيقة .. إنها تفاصيل تروى بوجهات نظر مختلفة بحسب زاوية رؤية كل منهم..‏

سينوغرافيا العرض جاءت بايحاءات رمزية. فبالاضافة الى خيط السيروم المعلق في الهواء, هناك السرير الذي كان واحدا, بداية , وتبعثر بعد ذلك الى اشلاء . وكما لو أنه تعبير عن تعدد علاقات هذا الرجل بعديد النساء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية