|
شؤون سياسية لم يقبل الشراكة العالمية في قيادة النظام الدولي بعد انتهاء عالم القطبية الثنائية والحرب الباردة, وخروج الاتحاد السوفييتي مع منظومته الشيوعية من خارطة العالم عام 1991. ومنذ ذلك الزمان حتى اليوم وخلل التوازن الدولي موجود وقائم والقرار العالمي مخصوص بأميركا، وقد تفجرت حروب متعددة بسبب سياسة ودبلوماسية الخطاب الحربي التي مارستها أميركا وفرضت على مؤسسات الشرعية العالمية أن تذعن لها، ولقرارها المتغطرس؛ نعم يشهد عالمنا الراهن تحولاً نوعياً مهماً في العلاقات الدولية حيث أن مجموعة دول ( البريكس) وعلى رأسها روسيا والصين اللتان قامتا باستخدام الفيتو مرتين من أجل القضية السورية خلال شهور ثلاثة، وتعلنان عن إرادة دولية قوية وحازمة في أن ينتهي من النهج الاستراتيجي الممارس من قبل أميركا والصهيونية المهيمنة على القرار الأمريكي منطق القوة في العلاقات الدولية الذي يشرعن للتدخل المباشر في شؤون الأمم التي لا تتوافق قراراتها المستقلة ومناهجها السيادية مع المصالح الأمروصهيونية وبالتالي فإن دول البريكس, ولا سيما في مؤتمرها الأخير الذي انعقد في الهند الأسبوع الفائت تؤكد شراكتها الكاملة في قيادة النظام الدولي وتوضح بأن الضرورة التاريخية باتت تسير نحو استعادة التوازن الدولي المفقود منذ أكثر من عقدين من الزمن. وستطبق بعودة سياسات العدل في العلاقات الأممية تطبيقاً لشرعة حقوق الإنسان والأوطان. وما هو جدير بالتنويه أن مؤتمر البريكس قد تناول القضيتين: السورية والإيرانية ليحزم قراره فيهما بأن الحل هو سياسي وعن طريق المزيد من الحوار, وليس عسكرياً عن طريق التدخل الدولي المتحالف أطلسياً, وكانت رسالة الرئيس بشار الأسد مهمة إلى المؤتمر المذكور حيث أكدت على موضوعة السيادة التي لايمكن التنازل عنها.ومهما يكن من أمر فقد شهد الأسبوع الماضي عدة مؤتمرات إقليمية ودولية من كوريا الجنوبية, إلى الهند إلى العراق إلى اسطنبول... وربما في التأريخ لحقبة التحول الدولي الحاصلة راهناً أن يكون الأسبوع الماضي من أهم منعطفات التاريخ الراهن, ومنه ستبدأ فضاءات جديدة في السياسة العالمية, وقوى التأثير الدولي, وطبيعة النظام الجديد القائم على استعادة التوازن الدولي, والسبيل إليه هو من بوابة القضية السورية العادلة. وربما يستطيع المحلل السياسي أن يقارب أكثر من احتمال في خضم انعقاد المؤتمرات المشار إليها, حيث إن التراجع الاقتصادي لدول الليبرالية الجديدة المتصهينة، وهزائمها في كافة الحروب التي شنتها من أفغانستان والعراق إلى أي منطقة في عالمنا الراهن جعلها على خارطة جديدة في الشأن الدولي, وجعل المنافسين الجيواستراتيجيين ( دول البريكس, والإلبا ) على خارطة الصعود في الشأن الدولي المعني، وقد ترجم هذا حقيقة في القضيتين المشار إليهما السورية والإيرانية ليفرض منهج التوازن من جديد في القرار الدولي. وتعترف أميركا بأنها لم تعد قادرة على استبعاد روسيا, ومجموعتها من المساهمة في الحلول المناسبة لحل قضايا منطقة ما يسمونه الشرق الأوسط, ويزداد الحال وضوحاً في الجبهة العالمية الجديدة هو أن روسيا والصين قد رفضتا المشاركة في مؤتمر (أصدقاء سورية) الذي انعقد في اسطنبول هذا الأسبوع, وقد عنت إشارات عدم المشاركة في المؤتمر كسابقه مؤتمر تونس أنه لن يكون منه الحل, ولن يصدر عنه أي اتجاه نحو الحل, وهكذا حكمت دول البريكس على هذا المؤتمر بالفشل رغم حشد أكثر من سبعين دولة للحضور حتى تؤكد أميركا لأصدقائها في العالم والمنطقة بأنها لاتزال سيدة القرار العالمي. ومن اللافت أن أميركا ومن يسير في فلكها الصهيوني من المستعربين لم تعد متحمسة للتدخل العسكري في سوريةوأصبحت مع المبادرة التي أُوفد المبعوث الدولي (عنان) فيها ونقاطها الست, ولكن لا تتمكن أميركا إلا أن تعقد مؤتمر أصدقاء سورية للمرة الثانية في اسطنبول ذلك لأن مبادرة عنان قد وافقت عليها سورية, ولا بد أن تصل – خاصة بعد إحاطة الفريق الفني الذي جاء إلى سورية في إطار مهمة عنان- إلى استيضاح كامل للحقائق الموجودة على الأرض وسيؤول حال عنان إلى ما كان عليه (الفريق الدابي) الموفد العربي قبلاً.وبناء عليه جاء مؤتمر اسطنبول حتى يقطع الطريق على مهمة عنان, والغاية المستهدفة أن يُلقى اللوم على سورية لعل المسألة تمكّن الأمروصهيونيين وأذنابهم المستعربين من أن يختلقوا ذرائع جديدة يتمكن معها المتعهدون الخليجيون أن يواصلوا التمويل والتسليح للمجموعات المسلحة, للجيش المسمى بالحر, حتى توضع سورية على عتبة الحرب الأهلية لأن النوايا تتجه نحو إشعال الحرب التدميرية في سورية للدولة والكيان الجيوتاريخي لها، ولو بدا مؤتمر الذين حضروا القمة في بغداد موافقاً على الحل السياسي ومستبعداً التدخل الأجنبي في سورية, فهذه تكتيكات تخدم الهدف المهم استراتيجياً وهو إخراج الدولة السورية من الجبهة المقاومة لإسرائيل ليتم الإفراج عن المشروع الصهيوني المحاصر. وبالمحصلة لم يكن مؤتمر أصدقاء سورية في اسطنبول من أجل سورية بقدر ماكان مؤتمر الذين يضمرون لسورية التدمير والتقسيم والخروج من الوحدة الجغرافية, والانطلاق بعدها إلى بقية الأقطار العربية, فالمنطق الذي صار مكشوفاً لدى المفكرين العرب هو كيف نقايض السيادة بالحرية, ونخسرهما معاً في غفلة تاريخية قاتلة؟؟! |
|